قدس الابتزاز: تسفي برئيل
كم من المليارات يساوي الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل. هذا سؤال في محله عندما يقرر دونالد ترامب أن الاعتراف ليس سياسة بل صفقة، بموجبها من لا يعترف بالقدس ستسحب منه مخصصات المساعدة الأمريكية. في الشرطة كان سيسمون صفقة كهذه ابتزازا تحت التهديد، وفي الوضع الأقل سوءّا فإن تهديد ترامب يمنح القدس مكانة العروس القبيحة، التي يفرض والدها على الجميع الزواج منها كي يستطيعوا مواصلة الحصول على مخصصاتهم الضرورية منه .
ولكن هذه المخصصات لم تقنع الفلسطينيين، ولم ينفعل منها أيضا المصريون (الذين يحصلون على مساعدة تبلغ 1.3 مليار دولار) والأردن (زبون يحصل على مبلغ 1.2 مليار دولار) ودول عربية وأوروبية وآسيوية وجنوب أمريكية، التي اعتبرت عرض الرشوة والابتزاز الأمريكي في الأساس إهانة إسرائيل مسؤولة عنها. عندما شكلت الولايات المتحدة التحالف الدُّولي الغربي لمحاربة داعش، لم تهدد بهذا الشكل دولّا من أجل إجبارها على الانضمام للتحالف. وهذا الابتزاز الآن لا تستطيع كما هو معروف أن توجهه ضد الدول الغنية مثل السعودية ودولة اتحاد الإمارات أو قطر التي تستضيف القاعدة الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط. الفتوات كما هو معروف أقوياء على الضعفاء. إسرائيل بصفتها جندية مخلصة في جيش ترامب حصلت على المطلوب، لكن الرئيس الأمريكي رتب لها أيضا شبكة علاقات بالإكراه مع الدول التي تخشى من فتوة الحارة.
الأخطر من ذلك هو أن الرئيس الذي يستخدم الابتزاز بالتهديد يمهد الطريق لرؤساء أمريكيين في المستقبل للامساك بالعصا الثقيلة نفسها، التي ستكون موجهة بالذات ضد إسرائيل. وماذا ستقول إسرائيل إذا قرر رئيس أمريكي بعد ست سنوات (أو سنتين إذا لم يتم انتخاب ترامب مرة أخرى) تبني فكرة ترامب ويطلب منها الاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإلا فإنه سيقلص المساعدة التي تتلقاها وسيتم تجميد التعاون الأمني معها؟ عندما شد الرئيس براك أوباما قليلا حدود علاقاته مع إسرائيل، سارع بنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت إلى تهدئة الجمهور بقصص تقول إن إسرائيل تستطيع الوجود أيضا إذا فرضوا عليها المقاطعة، لأن الهاي تيك في إسرائيل يشغل التكنولوجيا المتطورة في كل دول العالم. إن قصصا كهذه لم تعد تقنع الجمهور في إسرائيل.
ولكن لا يجب الذهاب بعيدا حتى النهاية من أجل معرفة أن إسرائيل تحولت إلى أداة في منافسة لي الأيدي بين عدد كبير من دول العالم والولايات المتحدة. لقد منح ترامب إسرائيل مكانة المستشارة في شؤون النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي مكانة مهمة جدا في المافيا، لكنها أيضا مكانة تجذب اليها النار عندما يريدون إرسال رسالة إلى الزعيم. لو أن ترامب استخدم مكبس الضغط الخاص به على إسرائيل لإقناعها بإجراء المفاوضات مع الفلسطينيين مقابل الاعتراف بالقدس، ولو أنه قام بعقد مؤتمر من أجل طرح خطة سياسية أمريكية، ولو أنه قام بتجنيد تحالف دُولي لبرنامج سياسي ولم يتوقف عند القدس، لكان يمكن أن يربح كثيرا. ولكنه فقط عرض قطعة حلوى على إسرائيل ولم يقدم أي شيء للفلسطينيين.
صحيح أن رد محمود عباس بأنه لن يوافق بعد ذلك على أي اقتراحات أمريكية لأن واشنطن لم تعد وسيطا نزيها، يثير الشفقة. لم يكن لمحمود عباس أية مشكلة في الاعتراف بغرب القدس كعاصمة لإسرائيل حيث أنه أعلن قبل نحو أسبوعين بأنه «لا يوجد سلام ولا أمن من دون القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين». الرئيس الفلسطيني كان يمكنه، وبضمير وطني نقي، الانضمام والقول إن غرب القدس هي عاصمة إسرائيل وشرق القدس هي عاصمة فلسطين، لكن ليس هذا هو الأساس. قرار ترامب والهزيمة القاسية في الأمم المتحدة أبقت إسرائيل مع «القدس في يد ولا شيء في الأفق».
هآرتس