معركة الاستقلال السوري
غالب قنديل
بلغت الأحداث السورية مرحلة النقاء والوضوح الشديدين فلا مساحيق تغلف الحقائق ولا واجهات صالحة للاستعمال في العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي استهدف الدولة الوطنية والمجتمع في سورية منذ سبع سنوات.
المواجهة تبدو سافرة بين الدولة السورية والولايات المتحدة وهي كانت كذلك منذ اللحظة الأولى للصراع الذي تخوضه البلاد دفاعا عن سيادتها واستقلالها وحيث لا يقتضي جهدا استثنائيا كشف الخيوط الصهيونية المحركة في كل ما استهدف سورية من أحداث وحملات ما تزال مستمرة.
تفككت المنصات السياسية والعسكرية التي أطلقت عليها تسمية الثورة ضمن موجة ما عرف بالربيع العربي ويقيت القاعدة وداعش وجماعات مسلحة تتلقى الدعم من الخارج ومن مصادر معروفة جدا وهي تتحول أكثر فأكثر إلى أوراق بيد ذلك الخارج غايتها الضغط على الدولة الوطنية السورية ومساومتها على استقلالها وتوازناتها لتحقيق أطماع سياسية واقتصادية أجنبية.
الحقيقة العارية ظاهرة للعيان : سورية تخوض معركة ضارية ومعقدة دفاعا عن استقلالها وهي لا تهاب التحدي فالمعركة مباشرة هي بين سورية والعدو الأخطر الذي حرك الحرب وخطط للعدوان الاستعماري وقاد فصوله وهو الإمبريالية الأميركية المتغطرسة التي تتخفى اليوم خلف واجهات هشة وهزيلة بعدما تكفل الجيش العربي السوري وحلفاؤه بدحر فلول القاعدة وداعش عن معظم الأراضي السورية وحيث تواصل الدولة الوطنية السورية بسط سيطرتها وتطارد فلول داعش والنصرة بينما يحاول المحتل الأميركي إطالة امد بقائه على الأرض لفرض ما يلبي اطماعه السياسية والاقتصادية وبالشراكة مع الكيان الصهيوني.
الأميركي هو محتل ومعتدي قالتها سورية منذ اللحظة الأولى وازاحت الغشاوة عن التذرع بالجماعات الإرهابية التي حشدها الأميركيون أصلا واستحضروها من جميع انحاء العالم لتدمير البلاد وكذلك هو الوجود التركي على الأرض السورية الذي عومل سياسيا كاحتلال منذ البداية وتشددت الدولة السورية في المطالبة بخروجه غير المشروط .
الذريعة الأميركية المتداولة مؤخرا لتبرير الاحتلال هي منع عودة داعش في سورية وجاء الكلام بكل فجور ردا على تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين حول سحب القوات الروسية بعد إتمام المهام التي أنيطت بها بالاتفاق مع الدولة السورية وقيادة الجيش العربي السوري .
اقتلاع الوجود الأميركي والتركي من سورية هو الهدف الوطني الأسمى الذي لا تخفيه القيادة السورية بل تجاهر به علنا وهي أسست لذلك برفض اعتبار ذلك الوجود شرعيا منذ البداية وهي اليوم تحشد قدراتها السياسية والعسكرية في مسار التحرير والنهوض بعد التقدم الكبير الذي أحرزته مع حلفائها في مطاردة القاعدة وداعش.
الموقف السوري قوي بمنطق القانون الدولي وحيث يعترف بعض المخططين الأميركيين بأن الوجود الأميركي غير شرعي على عكس التواجد العسكري لحلفاء سورية من روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية والفصائل العراقية ومصدر الشرعية هي الدولة الوطنية السورية التي صمدت في وجه العدوان وفرضت بثباتها شرعيتها الدستورية بدءا من الأمم المتحدة التي تعاملت معها على هذا الأساس رغم وجود رغبة أميركية معاكسة اجتمعت عليها دول الناتو والحكومات الرجعية العربية وحكم الأخوان في تركيا وذهبت شتى جهود هذا التحالف هباءا بفضل الصمود السوري الذي تلاقت فيه ثلاثية الشعب والجيش والقائد.
الموقف السوري قوي بفتح أبواب الحوار والتفاهم السياسي امام الراغبين من السوريين وبالصد الحازم لجميع ادوات التدخل الأجنبي وحيث تبقى الفرصة متاحة لمراجعة الخيارات امام المتورطين أفرادا وجماعات لكن هوامش المناورة تضيق أكثر فأكثر وهذا هو بالذات الوضع بالنسبة للقوى الكردية التي ارتضت دور الواجهة للعدوان الأميركي الذي تستظله وتستقوي به.
لا الأميركي ولا التركي سيصمدان في سورية وهما محكومان بالخروج وبخفي حنين وهما يعلمان ان الكلفة ستكون كبيرة لو ذهبا في طريق العدوان والغطرسة وثمة من ينصح اسطنبول وواشنطن بتحاشي اختبار مغطس الدماء وقد ذكر السفير الأميركي روبرت فورد مواقع القرار الأميركية بتفجير مقرات المارينز في بيروت عام 1983 وذكر الأكراد كذلك بالهروب الأميركي من لبنان حيث تركوا عملاءهم في العراء.
عندما يتواجد الاحتلال الأميركي على أرض سورية فالطبيعي ان تتحرك في مواجهته مقاومة مسلحة تؤلمه وتستنزفه وكلما اضمحلت ذرائع انتشار الإرهاب نقترب من ساعة المواجهات السافرة والمكشوفة التي سترغم واشنطن على ترحيل جنودها وهذه هي الحقيقة التي يعرفها الجميع.
أما تركيا فلن يطول زمن رقصها على الحبال وهي ستجد نفسها مطالبة بالتزامات عملية في تفكيك جماعات القاعدة التي تعمل في كنفها وطول البال السوري مع المناورات التركية ليس بلا حدود وهنا أيضا تنسق دمشق مع موسكو وطهران وتعطي كل الفرص لمحاولة التطويع والاحتواء البارد التي دشنها حليفاها في أستانة وسورية تراقب النتائج العملية لتي ما تزال أقل بكثير من التعهدات اللفظية.