مقالات مختارة

فقط على العرب الاستمرار في تفويت الفرصة: تسفي برئيل

 

«بسبب عدم استعداد العرب لتقديم تنازلات فقد فشلت المجتمعات العربية في تطوير نظام ديمقراطي، الذي يقوم كله على تقديم التنازلات… في مرات كثيرة في الخطاب السياسي العربي فإن من يخالفك الرأي يعتبر خائنا أو عميلا أجنبيا أو متآمرا… على هذه الخلفية تصعب الموافقة على نظام متعدد الأحزاب أو المصالحة بين حركتين قوميتين»، هكذا يميز شلومو افينري («هآرتس»، 11/12) «المجتمع العربي» بشكل عام والمجتمع الفلسطيني بشكل خاص، الذين فوتوا مرة أخرى الفرصة التأريخية في رؤية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هدية من السماء. ليس هناك ما يمكن فعله، هكذا يضرب افينري كفيه، «المجتمعات العربية» مصابة بخلل جيني لا يمكنها من تقديم التنازلات، وبذلك فهي تبعد نفسها مسبقا عن أي مفاوضات سياسية .

لحسن الحظ أنه في مصر وفي الأردن يعيش أناس من أوروبا يعرفون ما معنى تقديم تنازلات، ولذلك كان يمكن التوقيع معهما على اتفاق سلام. ومن حسن الحظ أن السعودية هي دولة متنورة ليبرالية تعرف ما هي الديمقراطية. ولولا ذلك، كيف كان يمكن تفسير توقها لعقد سلام مع إسرائيل. على خلفية ذلك من الغريب كيف أن «المجتمعات العربية» التي لا تعرف ما هي الديمقراطية هي التي غيرت بغضب الأنظمة الديكتاتورية التي حكمتها. أحد هذه المجتمعات وهو المجتمع التونسي نجح في إيجاد الديمقراطية، المجتمعات الأخرى مثل اليمن، مصر، ليبيا وسوريا فشلت في ذلك، لكن لدى معظمها يوجد طوال الوقت حوار مصالحة بين الأنظمة والشعوب. وفي جميعها انتشر الوعي أنه يوجد للجمهور والرأي العام قوة تستطيع أيضا الانفجار وتشكيل تهديد.

افينري الذي يتمسك بادعاءات استشراقية متميزة يجد صعوبة في إخراج الخشبة من عينه وأن يرى اعوجاج رقبته. وهو يتحدث عن الخطاب السياسي العربي الذي لا يستطيع تحمل الرأي المعارض لإملاءات النظام، لذلك لا يوجد مكان لنظام متعدد الأحزاب. يبدو أنه يوجد للخطاب العربي على الأقل تلميذة واحدة متميزة وهي إسرائيل، التي فيها الخطاب النقدي في وسائل الإعلام وفي المسرح وفي السينما غير شرعي وخائن ومناهض للوطن، يجب استئصاله.

في إسرائيل يوجد وبحق طريقة حكم متعددة الأحزاب لكنها تشبه الطريقة التعددية التي توجد في مصر والأردن والعراق وأغلبية الدول العربية. يوجد فيها جميعها أحزاب حاكمة لا تملي السياسة فقط وميزانية الدولة بل أيضا تحدد وتخدم خطاب الحاكم وترسم حدود شرعية الخطاب ودورها هو الحفاظ على نظام الحكم.

ادعاء آخر لأفينري هو أن استعداد الفلسطينيين للموافقة على خطوط عام 1967 حدودا للدولة الفلسطينية هي «تضليل» لأنها لا تعبّر عن استعدادهم على تقديم تنازلات، ولأن هذه الحدود جاءت نتيجة فشلهم في محاولة منع تطبيق خطة التقسيم ـ وهذا ادّعاء غريب. لأنه ماذا يهم الإسرائيليين إذا كان الفلسطينيون يعتبرون خطوط 1967 تنازلا، طالما أن هذا الاعتراف بها يؤدي إلى إنهاء النزاع؟ وثانيًا، الخشبة الثقيلة تغطي عيني افينري. هل يوجد في الجانب الإسرائيلي من هو مستعد لطرح انسحاب إلى حدود 1967، سواء كان هذا تنازلا أم لا؟ وفي الأساس، إذا لم نر في موقف الفلسطينيين هذا تنازلا، فما الذي يعتبر تنازلا في نظر افينري؟ هل هو الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية؟ هل هو في حدود 1967 أو بحدود الضم؟.

من الصعب تسوية التناقض في أقوال افينري، التي من جهة تعزو للعرب جينا معطوبا لا يعرف التنازلات، وفي الوقت نفسه يلومهم لأنهم لا يشخصون الفرص. ماذا تريد، إذا كان العرب «بطبيعتهم» لا يعرفون التنازلات، فهم بسبب ذلك لم يفوتوا أية فرصة لتفويت الفرص. إسرائيل يمكنها الادعاء بنقاء يديها، لأنه طالما أن الفلسطينيين بشكل خاص و»المجتمعات العربية» بشكل عام مصابة بتفويت الفرص، فإن إسرائيل معفاة من القيام بمبادرات، لأن حل النزاع هو جميل تعمله إسرائيل مع العرب وليس من أجلها.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى