الحريري لا يستطيع مجاراة حزب الله بالنأي بالنفس هل تشكّل الانتخابات المبكّرة الخيار الأفضل؟
ناصر قنديل
– لا ينتبه خصوم حزب الله وهم يجعلون عنوان حملتهم المطالبة باعتماد النأي بالنفس عنواناً لسياسة لبنان تجاه المحاور الإقليمية والصراعات الدائرة في المنطقة، أنهم يستنسخون شعاراً عارضه حزب الله قبل سنوات ووجد فيه قيداً على حاجته للحركة في مواجهة مخاطر وتحدّيات أنتجتها الحرب التي قادتها واشنطن وحلفاؤها لإسقاط سورية، واستجلبت لخوضها كلّ التشكيلات التكفيرية التي ترعاها السعودية، وكان النأي بالنفس يومها دعوة لمنع قوة حاسمة قادرة على ترجيح الكفة عكس أهداف الحرب الأميركية يمثلها حزب الله، من الانخراط في الحرب وكسر معادلاتها، لكن اليوم كلّ شيء قد تغيّر، فحزب الله أنهى المهمة وضمِن نتائج النصر في سورية والعراق، وبات أمامه شهور يقدر خلالها أن يجعل جبهته الجنوبية مع «إسرائيل» همّه الأول، وربما الوحيد.
– لا ينتبه خصوم حزب الله وهم يشدّدون على النأي بالنفس أنّ الحلف الإقليمي الذي يتبعونه وتقوده السعودية هو الذي صار المتضرّر من النأي بالنفس، فهو احتجز رئيس الحكومة لتفجيرها بوجه حزب الله، لأنه يريد ضمّ لبنان لمحوره المواجه لإيران ولحزب الله، عكس مفهوم النأي بالنفس تماماً، ذلك أنّ هذا المحور الذي خسر كلّ شيء في المنطقة، لم يعُد له ما يستخدمه لتعزيز وضعه التفاوضي سوى نفوذه في لبنان، بينما إيران المرتاحة لوضعها ووضع حلفائها في سورية والعراق واليمن، بغنى عن أيّ موقف مساند يصدر من لبنان ومن حليفها الأوّل فيه الذي يمثله حزب الله، إذا كان هذا يريح التسوية الداخلية التي يشارك فيها حزب الله. فهل تستطيع السعودية تحمّل صمت حلفائها اللبنانيين، وعلى سبيل المثال إذا كان حزب الله قادراً على وقف التصريحات بحق السعودية، فهل الحريري قادر على وقف التصريحات بحق إيران؟ وإذا كان حزب الله قادراً على عدم امتداح إيران فهل الحريري قادر على عدم امتداح السعودية؟ وإذا كان حزب الله مستعدّاً لقبول توافق على المطالبة بوقف كلّ التدخلات الخارجية في اليمن وترك اليمن لأهله يقرّرون عبر التفاوض حلاً سياسياً يناسبهم، ومثله في سورية، فهل الحريري قادر؟ وفي حدّ أدنى إذا كان حزب الله مستعدّاً ليكون ذلك سياسة للحكومة مضمونها الحياد بين إيران والسعودية، فهل الحريري قادر، وهل تستطيع السعودية تقبّل ذلك منه؟
– الاختيار للنأي بالنفس كعنوان غير موفق من زاوية مصلحة الحريري السياسية، وهو يعلم أنّ خصومه من فريقه وحلفائه يقدّمون مفهوماً للنأي بالنفس يتضمّن اتجاهاً واحداً هو نأي حزب الله عن العلاقة مع إيران. وهذا يهدف فقط لإحراج الحريري وإضعافه أمام السعودية، وقد لمس بنفسه فعل هذا التحريض، كما يعلم الحريري أنّ هذه المعادلة للنأي بالنفس لا تصلح حتى لعرضها على طاولة حوار، لأنّ مفهوم النأي بالنفس أن تنأى عن السعي لتوظيف سياسة الحكومة لحساب محورك، فينأى سواك عن السعي لتوظيف الحكومة وسياستها لحساب محوره، فإن كان حزب الله قادراً فهل أنت بقادر؟ كما يعلم الحريري أنّ بوليصة التأمين التي أخرجته من المأزق توفّرت بفعل تدخّل دولي إقليمي هرع لمنع اهتزاز استقرار لبنان، وليس فقط لمنع الفضيحة السعودية باختطاف رئيس حكومة دولة ذات سيادة تتحرّك مؤسّساته بقوة لنيله حريته، فكلّ التقارير الأوروبية تجمع على أنّ سقوط الحكومة وفلتان الوضع اللبناني سيقذف مئات آلاف النازحين السوريين إلى أوروبا، ومعهم الخلايا النائمة والبيئة الحاضنة المردوعة في لبنان، وليست المردوعة بالضرورة، عندما تصير أوروبية.
– وفّرت الرعاية الفرنسية المصرية للرئيس الحريري فرصة مناسبة لهامش استقلال نسبي عن السعودية، ولكن لن يستطيع مهما فعل الحصول على الرضا السعودي، وهو يستطيع أن يثق بأنّ الذين وقفوا معه في محنته، وفي مقدّمتهم رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي وحزب الله والنائب وليد جنبلاط مستعدّون لمساعدته في الوصول لصيغة توافقية تريحه، لكن عليه التفكير ملياً قبل طلب ذلك والتساؤل، هل الصيغة التي سيجدها منطقية سترضي السعوديين، وستوقف حربهم عليه بالوكالة؟ وهل من مصلحته طرح صيغة توافقية في التداول يطلقون عليها النار ويتهمونه عبرها بالتنازل، كما بدأ حديث وزير العدل السابق أشرف ريفي عن عودة الحريري إلى الأسر بإعلانه التريّث، أم أنّ مصلحة الحريري الاستقواء بكلّ عناصر القوة التي نالها في فترة المحنة والذهاب للانتخابات المبكرة؟
– وضع الحريري في انتخابات اليوم سيكون أفضل من وضعه بعد ستة شهور، ووضع خصومه في بيئته وشارعه من حلفاء الأمس الذين يتربّصون به هو الأصعب الآن، وليس بعد ستة شهور، بينما وضع خصومه التقليديين وهم شركاؤه في الحكم، لن يتغيّر بين اليوم وبعد ستة شهور، وستكون مناقشة التسوية بعد الانتخابات أفضل له لأسباب عديدة، منها أنها تعني تشكيل حكومة جديدة في ظروف جديدة، ستكون خلالها تسوية اليمن وسورية على السكة، ويكون حزب الله فيها عائداً رسمياً من سورية والعراق، وتكون التفاهمات الروسية الأميركية قد مهّدت لبدء تفاوض سعودي إيراني، فهل يحسبها الحريري جيداً؟