الرعونة السعودية بلا تغطية
غالب قنديل
يعلم جميع العارفين والمتابعين عن كثب ان التسوية التي اتاحت انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية نالت إجازة أميركية وبنيت على إدراك واشنطن لمقدار عجز الولايات المتحدة ومعها جميع حلفائها عن كسر التوازنات المستعصية في لبنان بما في ذلك الكيان الصهيوني الذي يلوح ليل نهار بحرب عدوانية جديدة كاسرة للتوازنات واضطر مؤخرا لصد الهياج السعودي ضد معادلة الوفاق اللبناني للإقرار بالعجز عن الذهاب إلى الحرب في الظروف والتوازنات الحاضرة ومعلوم من عبر التاريخ ودروسه ان الكيان الصهيوني درج على توظيف ادوار الأنظمة العربية وجهودها في خدمة مخططاته التي يساق إليها الشريك العربي بالأوامر الأميركية كما حصل مع مجموعة شرم الشيخ في حرب تموز 2006.
عبارة الحرص على استقرار لبنان التي تتردد في البيانات الأميركية والفرنسية حول الوضع اللبناني والإقليمي من سنوات هي تكثيف لعبرة التجارب المرة فقد خاض المعسكر الغربي الصهيوني وأعوانه العرب اختبارات عديدة لتعديل التوازن السياسي في لبنان ولوضع اليد على القرار السياسي وقلب الطاولة على رأس المقاومة وحلفها الوطني الكبير وكانت النتائج في كل مرة ومع كل محاولة تعريض جميع مواقع النفوذ الغربية والخليجية لخطر كبير وهذه الخلاصة التي تم التوصل إليها عشية تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام عندما أسقط بطلب أميركي الفيتو على مشاركة حزب الله في الحكومة وكذلك فالتسوية التي دفعت بالرئيس سعد الحريري لمساندة انتخاب العماد ميشال عون لم تكن بعيدة عن نتائج التجارب المتلاحقة إضافة إلى استنتاج الحريري ان الطريق الوحيد لحماية ما تبقى له من مصالح ونفوذ ومكانة سياسية مرتبط بعودته إلى رئاسة الحكومة عبر الشراكة في انتخاب العماد عون كممر إجباري.
هذه المعادلة التي جاءت نتيجة تجارب متلاحقة ومكلفة وبفعل تراجعات أملاها تساقط الوهم حول فرض رئيس من قوى 14 آذار هي بمثابة تعبير مكثف عن حقيقة التوازن اللبناني المعقد والذي لا يمكن التعامل بالعبث والحماقات الغضوبة بل هو يتطلب حكمة ودهاء لا تعرفهما سلوكيات القيادة السعودية في مرحلتها الراهنة وهذا ما تصر عليه الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا من موقع الخبرة وبما يكفي من المعلومات عن الداخل اللبناني وتوازناته وعن قدرات حزب الله الرادعة التي يخشاها الصهاينة ويهابون التسرع باختبارها وإشعال حرب كبرى قد تشمل المنطقة برمتها ولا تنتهي كما يشتهي الغرب والصهاينة وأصدقاؤهم العرب بالذات .
ثلاثي الغضب والتهور الذي تحدث عنه ديفيد هيرست ( كوشنر ونتنياهو وبن سلمان ) هدد بخطواته بوضع الغرب أمام الحائط المسدود حيث لا أفق لفرض تغيير المعادلة ولا فرصة لحصر أضرار التصعيد المحموم والمقامرة الخاسرة فلحظة اشتعال حرب جديدة في المنطقة ستعقبها تداعيات لا حصر لها وستهدد نيرانها المصالح الأميركية والغربية من جذورها وستلفح الكيان الصهيوني برمته اما تفجير الوضع اللبناني بإسقاط التسوية الرئاسية فهو المغامرة الأخطر لأن منسوب التوافق الممكن بعد صراع مديد لسنوات مضت هو ما جسدته هذه التسوية كصيغة للمساكنة بين القوى اللبنانية المتنافرة وبما تمثله من خطوط وخيارات متصادمة في مواقع الصراع الإقليمي ولما كانت الانتخابات النيابية على الأبواب خلال أشهر فهي الفرصة الوحيدة الممكنة لتظهير الأحجام والوزان ولاختبار فرص الحصول على الغالبية النيابية.
التصرف الحكيم والهادئ لقيادتي حركة امل وحزب الله بني على تلك الحسابات في احتواء التصعيد والضغط السعودي الذي تصدى له رئيس الجمهورية ووزير الخارجية بكل حزم ووضوح بمنطق رجال الدولة والقادة الوطنيين المسؤولين عن حماية السيادة وحفظ السلم الأهلي بينما اتصفت مواقف قوى 14 آذار بالرعونة والاستفزاز وباسترضاء القيادة السعودية التي ضربت بكفها الساخط على وجه حليفها الرئيسي المفترض في لبنان منذ اتفاق الطائف فبدا جعجع ومعه آخرون في موقع تصيد انقلاب سعودي على الحريري لوراثة واقعه التمثيلي ودوره السياسي.
التدخل الأميركي والفرنسي والمصري جاء لتثبيت التسوية واستئناف العمل بها وضمنا محاولة تحسين شروطها لصالح الحلف الغربي الصهيوني وهذا ما سوف يتصدى له الفريق الوطني لكن نقطة الانطلاق كانت ترك الحريري وعودته إلى بيروت وهو المخرج الذي فرضه تماسك غالبية الأطراف اللبنانية خلف الرئيس ميشال عون ومحاولة الغرب ومصر لإنقاذ المملكة الحليفة من فخ الرعونة والتهور الذي يخشى الجميع ارتداده على اوضاعها الداخلية الدقيقة والخطرة بينما يحاصرها الفشل الخانق في جميع الميادين والساحات.