التدويل وحسابات الرياض مع المستقبل والعهد: هيام القصيفي
عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان لا تلغي مفاعيل ما حصل في الأيام الاخيرة، ونظرة السعودية الى موقف رئاسة الجمهورية وتيار المستقبل في تعاملهما مع هذا الملف ستكون أكثر حدّة
الثابتة الوحيدة، حتى اليوم، هي أن رئيس الحكومة سعد الحريري عائد الى بيروت ليقدم استقالته. هذا الكلام قيل قبل إطلالته التلفزيونية وبعدها، وقبل الحملة اللبنانية الرسمية لـ«إطلاقه» وبعدها، ولا يزال هو نفسه منذ اليوم الاول لإعلانه الاستقالة.
أكثر من ذلك، لا يملك معظم الأفرقاء اللبنانيين أجوبة عن مرحلة ما بعد تقديم الاستقالة رسمياً في لبنان، ما دام الجميع لا يتفقون بعد على رواية واحدة لما جرى قبلها وبعدها في السعودية، لأنه حتى الساعة هناك ثلاث روايات؛ واحدة لبنانية رسمية تقول إن الحريري أُجبر على الاستقالة ومحتجز في الرياض، والثانية سعودية رسمية تقول إن الحريري غير محتجز ويتمتع بحريته، والثالثة سعودية ــــ لبنانية غير رسمية تقول إن الرياض وضعت الحريري أمام خيارات البقاء أو العودة الى لبنان لأسباب باتت معروفة تتعلق بالموقف من إيران وحزب الله والعهد، على أن يتحمل بعد ذلك تبعات كل خيار ينتقيه، فاختار البقاء الى جانب السعودية، وسيبقى على خياره هذا مهما كانت دوافعه.
وعبارة «تبعات هذا الخيار» ستكون هي عنوان المرحلة المقبلة سعودياً، لأن ما جرى يتعدّى حدث الاستقالة في ذاته، بعدما كشف هذا التطور للسعودية الكثير من الامور التي لم تكن لتتضح لولا ما جرى السبت 4 تشرين الثاني، وهو ما سيترك أثره لاحقاً على علاقات الرياض مع عدد من القوى السياسية، وفي مقدمها تيار المستقبل ورئاسة الجمهورية.
في الأيام الأخيرة، قيل كلام في بعض دوائر المستقبل وعائلة الحريري نفسها، لم تكن الرياض تتخيّل أنه قد يقال في حقها أو يتم التعاطي معها كما جرى من بعض شخصيات هذا الفريق. لم يكن مرة رئيس الوزراء في لبنان بعيداً عن السعودية، لا بل كان رئيس الحكومة من القيادات الذين ترضى عنهم الدوائر الملكية والأجنحة فيها. لكن ما حصل بعد عام 1992 أن الرئيس الراحل رفيق الحريري أصبح رجل السعودية الاول في لبنان، وأدخل معه بعض المسؤولين السوريين الى دائرة السلطة في لبنان والسعودية. وفي سنوات حكمه تحولت عائلة الحريري إلى العائلة «المالكة» لبنانياً، بفعل النفوذ الذي أولته الرياض للحريري الآتي من خارج نادي السياسيين التقليديين. من هنا يقدّر سياسيون مطّلعون على موقف الرياض، في الأشهر الأخيرة، عدم تفهّم السعودية لردّ فعل «صنيعتها» في لبنان، تجاه متطلبات سياسية تفترض منها أداءً مختلفاً في مرحلة مصيرية؛ فأفراد عائلة الحريري جميعهم وصلوا الى ثرواتهم ومكانتهم اللبنانية والدولية عبر الرياض، والذين يقفون اليوم في وجهها ويصدرون بيانات تنتقدها إنما ارتزقوا منها لسنوات ولا يزالون. حتى إن هناك من يعيد التذكير بمواقف النائبة بهية الحريري، ليس بسبب تصرفاتها وابنها نادر، بل حين قالت عام 2005، بعد اغتيال شقيقها، «لن نقول وداعاً سوريا، بل الى اللقاء»، في ساحة الشهداء، الأمر الذي استفزّ حينها قيادات في قوى 14 آذار.
بالنسبة الى الرياض، هناك في عائلة الحريري وتيار المستقبل من تخطّى الخطوط الحمر سعودياً. وعلى هذا الأساس سترسم مرحلة التعامل المقبل بينها وبين تيار المستقبل، بصرف النظر عن وضع الرئيس سعد الحريري نفسه، الذي سيظهر تباعاً مدى التصاقه بدائرة الملك وولي العهد، في السعودية وخارجها. أزمة تيار المستقبل المشظّى في الأساس بفعل خلافات شخصية وسياسية كثيرة، وبفعل تمترس البعض وراء مواقعه واتصالاته الاقليمية، أدت الى حال التخبّط التي يعيشها منذ سنوات، لكنه ظل في صورته العامة متّكئاً على بُعد عربي سعودي، في كل مرة اشتد فيها الخلاف السياسي الداخلي. لكن الأزمة الراهنة ستؤدي الى سحب الغطاء السعودي عن المستقبل. ومن يتحدث عن خطورة هذه الخطوة، يشير الى مصير هذه الحالة السنيّة المتشظّية، والتي ستكون معزولة عن الواقع الخليجي، ويجعلها في خانة الخصومة مع الرياض، خصوصاً أن القاعدة الشعبية السنيّة لم تعد حكراً على المستقبل، وهي التي تستند الى وجود أكثر من 400 ألف فلسطيني ومليوني نازح سوري، ستكون من الآن فصاعداً مفتوحة على كثير من المخاطر والتحديات التي تجعلها مشتّتة وغير ممسوكة.
ثمة أسئلة مطروحة في أوساط المطّلعين على التوجّه السعودي الجديد، حول كيفية مقاربة تيار المستقبل للمرحلة الجديدة، في ضوء عاملين؛ أولاً نقمة السعودية على حزب الله، وتقارب شخصيات في المستقبل معه، وتنسيقها معه، مباشرة أو غير مباشرة، في مواجهة استقالة الحريري والتوجه الى السعودية بخطاب غير مسبوق. ثانياً عدم رضاها عن أداء رئاسة الجمهورية في ملف استقالة الحريري، ولا سيما لجهة محاولة الرئاسة، بالتنسيق مع قيادات في المستقبل، تدويل هذه الأزمة، والتعامل مع الحريري على أنه حليف لها وخصم للرياض، علماً بأن بعض القيادات اللبنانية أبدت حذرها في تناول هذا الملف دولياً، لأنه لن يبقى أسير قضية الحريري فحسب؛ فأيّ انتقال في معالجة استقالة الحريري من الإطار السعودي اللبناني الى مستوى أممي، يعني أن لبنان يستجلب عليه نقمة خليجية لن تبقى محصورة بالسعودية وبإجراءات اقتصادية وعمالية ومالية، وسيضع لبنان الرسمي ورئاسة الجمهورية، وليس حزب الله، في مواجهة الرياض. وما تخطّته الرياض في انتخاب العماد ميشال عون، رغم مواقفه السابقة من السعودية حين كان رئيساً لتكتل التغيير والإصلاح، لا يمكن لها تخطّيه وهو رئيس للجمهورية.
(الاخبار)