أين اختفى رئيس وزراء لبنان؟: سمدار بيري
ماذا سيكون لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من الاستقالة الصاخبة لرئيس وزراء لبنان، سعد الدين الحريري؟ هذا منوط بالخبير الذي تصدّقه أو بوسيلة الإعلام التي تثق بها. موضوع واحد متفق عليه بين المعسكرات: الحريري، الذي استدعي إلى قصر الملك في الرياض مرتين في غضون أربعة أيام في الأسبوع الماضي، لم يخطط للاستقالة .
في المرة الثانية نزل من الطائرة مباشرة إلى أذرع رجال الامن السعوديين، هواتفه النقالة وهواتف مرافقيه صودرت والاتصال مع العالم الواسع قطع دفعة واحدة، أجلسوه امام كاميرات التلفزة ودفعوا إلى يديه بصفحة الرسائل من ولي العهد. الحريري نفسه بدا كمن لا يصدق تهديداته بقطع يد إيران في لبنان.
أكثر من هذا، فإن أولئك الذين اطلعوا على يوميات رئيس وزراء لبنان قبل وبعد الرحلة الأخيرة يمكنهم أن يتوصلوا إلى استنتاج واحد فقط: من يخطط لإلقاء المفاتيح والهروب من لبنان، لا يملأ جدول اعماله بلقاءات مع مندوبي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مع المدراء العامين في وزارتي المياه والاقتصاد في حكومته ومع ثلاثة وزراء.
ولكن لابن سلمان كانت خطط أخرى. فهو يعرف أن «أوجيه»، امبراطورية المقاولات العظمى للحريري في السعودية، تنازع الحياة بسبب ديون تسعة مليارات دولار، ويعرف أن استقالته ستورطه مع آلاف العاملين الذين يهددون الآن بإحالة رب عملهم إلى المحاكمة، وهو عديم الحصانة.
ابن سلمان يهدد أيضا بإلغاء المساعدة للبنان، إغراقه في أزمة اقتصادية عميقة، وإقناع ترامب بتشديد العقوبات ضد حزب الله وإيران.
إذا كان الحريري قبل أسبوع مليارديرا أسيرا لدى السعودية، فبعد الاستقالة أصبح رهينة مع حراسة ملاصقة. فالمغرد المهووس من بيروت اختفى أيضا من الشبكات الاجتماعية، فمدراء جدول أعماله الجديد لا يسمحون له بالعودة. وكيف سيعود، بعد أن تباكى من أنهم يخططون لاغتياله؟ فإذا لم تكن تهديدات، فلِمَ الاستقالة؟
الرئيس اللبناني، ميشيل عون، مقرب جدًا من حزب الله، ادّعى أمس أن الحريري «اختطفته» السعودية. أما نصرالله من جهته فقال «يجب أن نقول هذا بشكل واضح. رئيس وزراء لبنان محتجز في السعودية في إقامة جبرية». في نهاية الأسبوع علقوا في بيروت لافتة ضخمة كتب عليها إلى جانب صورته: «كلّنا الحريري». وبالتوازي، انضمت الولايات المتحدة إلى الدعوة لعودة الحريري إلى بيروت. «إذا كان يريد الاستقالة، فعليه أن يعود إلى لبنان وأن ينشر بيانا رسميا كي تتمكن حكومة لبنان من أداء مهامها»، هكذا أعلن وزير الخارجية تلرسون.
في الصورة التي تعدها أجهزة الاستخبارات في العالم، بما فيها إسرائيل لابن سلمان يبدو أنه شخص عديم الصبر وقصير النّفس. فانهيار داعش، الفشل الذريع في طرد الأسد من القصر الرئاسي في دمشق والحرب المستمرة في اليمن التي تكلف السعوديين مئات ملايين الدولارات ولا تقترب من الحسم، كل هذه قلبت خططه رأسا على عقب. في البداية، طهران: عندما تمد قوة «القدس» الهلال الشيعي من إيران عبر العراق وسوريا، ويندفع إلى لبنان فيما يشق نصرالله لها الطريق، فالحديث يدور من ناحيته عن اختطاف في وضح النهار للمعاقل التي أخرجت من النفوذ السعودي.
والحريري، في نظره، لم يحرك ساكنا ـ لم يشكُ من الشراكة مع حزب الله في الحكومة التي فرضت عليه ولم يهدد بالمغادرة. أما إبعاده الصاخب، بالمقابل، فيخلق تشويشا، توترا وصخبا من الإشاعات والتخمينات ويستهدف إدخال لبنان في دوامة.
أما الصيغة غير المقنعة لدوافع الاستقالة فتستهدف آذان الرئيس الأمريكي. ولي العهد السعودي، المقتنع أن ترامب هو حليفه، فإنه يطلق أبواقه للتشهير بإيران، والإساءة لرائحة حزب الله وتعزيز الحوار مع واشنطن ومع إسرائيل. نعم، برغم أن أحدا لن يؤكد ذلك، فإن الحوار حي يرزق من خلف الكواليس. انتبهوا لصمت نتنياهو وللتوصية للدبلوماسيين الإسرائيليين للإعراب عن التأييد لـ «الخطة السعودية» (لا سمح الله ليس لـ «مبادرة السلام السعودية») والحذر من توجيه النقد للرياض.
يديعوت