نقاط على حروف الأزمة الحريرية
غالب قنديل
أولا قبل كل شيء وبغض النظر عن التفاصيل إن ما جرى هو إجبار لرئيس حكومة لبنان على الاستقالة من قبل حكومة دولة اخرى وإعلانها من أرضها ومنعه من الحضور إلى بيروت لتقديم استقالته شخصيا إلى رئيس الجمهورية اللبنانية وفق أحكام الدستور وهذا التصرف يشكل بجميع المعايير عدوانا سافرا على السيادة اللبنانية بعيدا عن الأسماء والمواقف وكذلك بعيدا عن ارتباط الأمر بتصفية حسابات داخل العائلة المالكة السعودية.
إن التدخل السعودي في الشؤون اللبنانية الداخلية هو امتداد لعيوب كثيرة متراكمة ورثها لبنان منذ تنصيب الراحل رفيق الحريري بعد الطائف بصورة فتحت أبواب العربدة والتمادي في ارتهان قوى سياسية لبنانية للعطاءات المالية ورضوخها لقاعدة التسول المبتذلة والجبانة “بالشكر تدوم النعم ” وتحملها للإهانات وارتضائها لمنطق الأوامر السعودية العلنية الخالية من أي احترام للكرامة الوطنية أو الشخصية والخطوة الأخيرة وما يشوبها من احتجاز وإهانة لشخص يشغل موقعا دستوريا رئيسيا في الدولة ما هي إلا عينة للفجور والاستباحة في السلوك السعودي اتجاه لبنان.
ثانيا الحملة السعودية الإعلامية تستهدف رئيس الجمهورية والمقاومة معا من موقع السعي لإخضاع لبنان لشروط العدو الصهيوني التي يتصدرها سحب سلاح المقاومة وخروج المقاومين من سورية حيث ساهموا في هزيمة قوى التكفير التي دعمتها المملكة السعودية بإمرة اميركية بالشراكة مع الصهاينة وحكومات تركيا وقطر والأردن إذن فغاية الحملة تتعدى النطاق اللبناني إلى بعد إقليمي محدد هو منع الحسم ضد عصابات التوحش القاعدية الداعشية في سورية والتي تمثل بالتوازي تهديدا جديا لاستقرار لبنان وأمنه كما بينت السنوات القليلة الماضية.
لقد اعتبرت السعودية ان تجاوب الرئيس الحريري مع التوجه الوفاقي منذ انتخاب الرئيس ميشال عون يوفر تغطية لحزب الله ولدوره الوطني والإقليمي وهي تريد سحبه من المعادلة لتخريبها ومن الواضح من تصريحات سمير جعجع وأشرف ريفي وغيرهما ان مجموعات مرتبطة بالسعودية والولايات المتحدة ساهمت في التحريض على الحريري وحكومته وصولا إلى استدعائه كما اعترف جعجع خلال حواره التلفزيوني الأخير.
ثالثا لابد من اتجاه الموقف الرسمي في مسار تصاعدي يتوقع ظهوره قريبا بعد مهلة الاحتواء البارد التي فتحها الرئيس ميشال عون بمشاوراته واستهدفتها الحملات السعودية وأبواقها الإعلامية المأجورة فالطبيعي ان يبلغ هذا الموقف مرحلة الإدانة الصريحة للعدوان والطلب الصارم لترك الحريري حرا وعودته إلى لبنان وليقل عندها ما يؤكد استقالته او ينفيها.
على الدولة واجب التعامل بحزم مع العدوان السعودي ووضع خطة طارئة لحماية لبنان من استهداف مكشوف يريد نزع عناصرالقوة الدفاعية وتعرية لبنان من حصانته التي مكنته من التغلب على التهديد التكفيري ومن ردع العربدة الصهيونية خلال سنوات عاصفة وحافلة بالمخاطر.
تتحدث الأبواق عن هيمنة إيران في لبنان بينما لم تتخذ الحكومة أي خطوة تقارب جدية مع إيران وهي مقصرة في هذا المجال ورغم كل الحذر المسيطر على سلوك الحكومة اللبنانية في العلاقات مع سورية وإيران تتعالى أصوات سعودية باتهامات خطيرة للسلطات اللبنانية ولتصوير تقديم اعتماد سفير في دمشق على انه “جريمة لا تغتفر” وهو أبسط خطوة محتملة بالنظر لمدى حاجة لبنان إلى اعتماد قنوات سياسية رسمية دائمة للتنسيق في لائحة طويلة من القضايا المشتركة مع سورية.
رابعا من الطبيعي والمفهوم ان تتمهل المرجعيات الرسمية في اتخاذ الموقف الصلبة المطلوبة وطنيا لكن ذلك لا يشمل الأحزاب والقيادات السياسية والشعبية ولا يعفيها من إعلان مواقفها فما يصح على موقف الرئيسسين ميشال عون ونبيه بري لا ينطبق على أي جهة سياسية أخرى.
من الضروري ان تظهر حملة سياسية وشعبية واسعة في لبنان ترفض التطاول على السيادة وتدين التدخل السعودي الاستفزاي والاستعلائي المشبوه بكل أشكاله وتعبيراته وأي تهاون في ذلك سيضعف الموقف الرئاسي بينما يمكن أن يكون ذلك الموقف أقوى في مخاطبة الخارج لو لاقته تحركات شعبية وسياسية تطالب بما هو أقصى وأبعد من مجرد ترك رئيس الحكومة وإدانة العدوان على السيادة وصولا إلى محاسبة السلطات السعودية على جرائمها في لبنان من خلال دعمها لعصابات الإرهاب التكفيري وتهديد الوفاق اللبناني والضغط لنسفه وممارسة ضغوط عدائية اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا وعلينا تحضير خطط البدائل اللبنانية التي نقل عن فخامة الرئيس الدعوة إلى مباشرة البحث عنها .