لا تحصين سياسي دون الإعلامي
غالب قنديل
منذ بث شريط استقالة الرئيس سعد الحريري يبذل فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري جهودا مركزة بالتعاون مع معظم القيادات اللبنانية لتحصين الوضع الداخلي الذي كان شريط الاستقالة والحملات الإعلامية المصاحبة له بمثابة إشهار لخطة وضع لبنان تحت ضغوط خطيرة تهدد الاستقرار وتكسر المناخ الوفاقي الذي انطلق بانتخاب الرئيس ميشال عون.
السؤال هو كيف يصمد التحصين السياسي بدون التحصين الإعلامي وفي ظل الفلتان التحريضي والفوضى المتوحشة في الأداء الإعلامي وهي منافية للقواعد القانونية وللضوابط المهنية ويأتي بعضها استجابة للطلبات الخارجية المحركة لرياح الانقسام والفتنة.
منذ سنوات طويلة شابت الأداء الإعلامي اللبناني علاقات منفعة وارتهان للتوجيهات الخارجية وخصوصا الأميركية والخليجية وقد حرصت الحكومات المتعاقبة على شل المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع ومنعه من امتلاك أدوات المتابعة الحية لما تبثه المؤسسات المرئية والمسموعة المرخصة ومنذ العام 1996 حتى اليوم لم ينفذ النص القانوني المتصل بهذا الأمر وقد حجبت عن المجلس الموازنات التي تمكنه من التعاقد مع شركات محلية أو من شراء المعدات والتجهيزات اللازمة وتوظيف الكادر المؤهل وهو يضطر إلى اللجوء إلى شركات خاصة للحصول على تسجيلات لبرامج أو نشرات أخبار تثير أزمات وتداعيات متفجرة وتتطلب تحركا عاجلا سرعان ما تطوقه السلطة التنفيذية بترضيات أهل السياسة المرتهنين للابتزاز الإعلامي وللضغوط الخارجية وهذا أخطر ما في منظومة الإعلام اللبنانية من عيوب.
كذلك عطل جميع وزراء الإعلام طوال عشرين عاما ما نص عليه القانون 382/94 لمراقبة مداخيل المؤسسات المرخصة وعدم جواز تقاضيها أية أموال من موارد خارج طبيعة عملها أي الإعلانات وتسويق البرامج وهذا التعمد السياسي كانت غايته تغطية خرق القانون وتشريع اعتماد وسائل الإعلام على المال السياسي الخارجي والداخلي معا وعلى هذا النحو باتت غرف الأخبار وإدارات البرامج السياسية في بعض الوسائل تعمل في الترويج والتشهير على الفاتورة بينما شرعت الفوضى التقنية عبر مجموعات الكابل غير الشرعية أبواب منافسة غير متكافئة ضد المؤسسات المرئية والمسموعة الوطنية وعلى حسابها وهي فوضى محمية ومحصنة وتعطل لإدامتها خطة الانتقال إلى البث الرقمي منذ خمس سنوات متواصلة.
يجري كل ذلك وينعكس اليوم أخطارا كبيرة على الاستقرار اللبناني بينما القضاء قاعد عن واجباته لا يتحرك تلقائيا فعلى سبيل المثال من سأل جيفري فيلتمان أو السفارة الأميركية عن لائحة المؤسسات الإعلامية والإعلاميين الذين نالهم نصيب من نصف مليار دولار أعلن السفير الأميركي السابق أنه صرفها لشيطنة حزب الله واشترى ولاءات وحرك حملات إعلامية لخدمة الولايات المتحدة والعدو الصهيوني ومن سأل أو تساءل عن كيفية انخراط مؤسسات لبنانية في حملات ترويج للتكفير الإرهابي وتحويل شيوخه لقادة رأي يستضافون في البرامج السياسية وعلى الهواء مباشرة وهم مجرمون وقتلة محترفون والأمثلة لا تعد أو تحصى بل ومن سأل او ساءل عن خيوط تحريك سوابق التطبيع مع العدو في الإعلام اللبناني وجميع تلك المخالفات المتكررة تقع تحت طائلة القانون وتعرض المؤسسة المخالفة لعقوبات تبلغ حد سحب الترخيص وكلما كان المجلس الوطني للإعلام يسائل المؤسسات الإعلامية كانت الحكومات تصد مبادراته وحتى عندما وضعت بعض الشاشات البلاد على كف عفريت نجت المؤسسات المتورطة في التحريض والحض على الفتنة بجلدها بفضل حماية سياسية لبنانية قطرية وعطلت آليات المحاسبة ولمن يذكر ملف زوار أعزاز بينة قاطعة في الحدث الإعلامي آنذاك وقد أوشك الحريق الكبير ان يشتعل بخبر كاذب ومدبر.
يستدعي استعراض هذه الأمور واستذكارها ما ظهر خلال الأيام القليلة الماضية فمن الواضح أن أمر عمليات سعودي مشفوعا بدفعات مالية صدر لاستثارة حملات تحريض وتصادم داخلي بينما يقود رئيس الجمهورية حملة سياسية وطنية شاملة لتجنيب البلاد خضة خطرة يتفق الجميع على وجوب تلافيها في حين يتحول بعض مقدمي البرامج الحوارية إلى محركي فتنة يفتحون المنابر لتحريض استفزازي خطير يتوجب حظره وعدم التورط بترويجه بأي شكل كان.
ظاهرة التحريض والترويج وابتذال التعليقات جرى تفعيلها بقوة مؤخرا لأن جهات خارجية معروفة تريد تفجير البلد وتوريط اللبنانيين في سعار ازمة مفتوحة وهذا ما يوجب تحركا عاجلا لضبط الأداء الإعلامي وينبغي ان يفهم المرتهنون لمال الفتنة والتحريض أنهم مكشوفون وعليهم الكف عن لعبتهم الجهنمية التي تحتمل مقامرة بالسلم الأهلي وهذا يفترض تحريك الآليات القانونية المعطلة وعملا عاجلا لوضع المؤسسات الإعلامية عند مسؤولياتها وواجباتها فالفلتان التحريضي ومحاولات تمرير الخطاب التطبيعي مع العدو الصهيوني وتكريس سوابق خطرة على هذا الصعيد ليست أبدا زلة عفوية ولا هي مصادفة بل فعل مدبر يخدم خطة خارجية مرسومة لتفجير البلد وهذا يوجب الحركة العاجلة واستخدام أقصى طاقة ممكنة عبر تفعيل الآليات القانونية التي عطلت لحماية الفلتان المبرمج في خدمة الخطط التي تستهدف لبنان.
إن الأجواء الإعلامية التصعيدية التي أعقبت استقالة الرئيس الحريري تبين بكل وضوح انها تعبير عن مشيئة خارجية لضرب الاستقرار اللبناني ولكسر الإرادة السياسية الوطنية اللبنانية التي انطلقت منذ انتخاب الرئيس العماد ميشال عون وعلى هذا الحد الذي يمثل تهديدا لكل مواطن لبناني في حياته واستقراره وانتهاكا للسيادة الوطنية تصبح الخروقات الإعلامية بدرجة عالية الخطورة ويتوجب ضبطها وتنقية المشهد الإعلامي من شوائبها المسمومة بأي ثمن.
إن التحصين السياسي الذي يقوده فخامة الرئيس وتعلن تجاوبهامعه معظم القيادات السياسية سيبقى مهددا مالم يجر تحصين إعلامي مواز والتحرر من الابتزاز الذي تمارسه المؤسسات المتورطة تحت قناع الحرية الإعلامية بخرق منظم للقانون لحماية مواردها المشروطة بالمساهمة في جوقات التحريض الداخلي والتطبيع مع الكيان الصهيوني.