نزاع عائلي وولي عهد طموح يضعضع استقرار السعودية: تسفي برئيل
هل الاعتقالات كلها التي بدأ بها ولي العهد السعودي ستكتفي فقط بــ 11 شخصا من كبار الأثرياء وخصوم سياسيين، أو ستشير إلى بداية عملية تتويج محمد بن سلمان ملكا؟ هل التوقيت ينبع من اندلاع مفاجئ للأخلاق استهدف تطهير الفساد أو من الشعور بالاستعجال لنقل السلطة في حياة الملك الحالي؟
إن هذا الاهتزاز الذي يصعب توقع نتائجه، هو نتيجة عدة عمليات بدأت عند تتويج سلمان ملكا في عام 2015، ورافقها منذ البداية إقصاء كبير للموالين للملك عبد الله المتوفى. سلمان (82 سنة) هو آخر الإخوة من الإخوة السبعة السديريين (الإخوة السبعة الذين تم إعدادهم لتولي الحكم، وهم أحفاد الملك عبد العزيز وزوجته حصة السديري). العرش من المتوقع أن ينتقل الآن للجيل الثاني، الذي يحتشد فيه مرشحون كثيرون، عدد منهم هم خصوم لمحمد بن سلمان، وآخرون لا يعتبرون أنفسهم مرشحين أو لا توجد لهم احتمالية.
الخصم الأشد، محمد بن نايف، الذي تم تعيينه في 2015 وليا للعهد، قام الملك سلمان بإبعاده في شهر حزيران من هذا العام، وسحب منه منصبه عندما قام بتعيين ابنه وليا للعهد بدلا عنه. هناك تقارير تم نفيها في السعودية، تحدثت في حينه عن أن الأمير بن نايف اعتقل أو وضع تحت الإقامة الجبرية. الآن بقي تعزيز الجدار أمام من يمكنه الإضرار بالنقل المريح للسلطة من الأب إلى الأبن.
قائمة المعتقلين تشير إلى اختيار دقيق لخصوم من قمة الهرم الاقتصادي والسياسي، منهم الأمير الوليد بن طلال، الذي يعتبر أكبر أثرياء المملكة. وصالح كامل، الذي ورد اسمه دائما في قائمة أثرياء العالم الذي نشر علنا تأييده لبشار الأسد. وخالد التويجري، الذي كان رئيسا للبلاط الملِكي في عهد الملك عبد الله، وتم إبعاده عن منصبه قبل وقت قصير من تتويج سلمان بسبب اختلافات في الرأي ثارت بينه وبين الأمير محمد بن سلمان. ومتعب بن عبد الله، ابن الملك عبد الله الذي تولى منصب قائد الحرس الوطني، وكان معارضًا لسياسة سلمان في اليمن وسورية. والأمير تركي بن عبد الله، وهو أيضا ابن الملك عبد الله الذي كان حاكم الرياض. والأخيران تم اعتقالهما ليس بسبب ظهورهما بصورة شاذة في أعمال الفساد، بل لأنهما يعتبران من أبناء الفرع المعادي في العائلة.
عدد من هؤلاء الأشخاص لم يترددوا في انتقاد سلوك الملك وابنه، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي تعرضت لفشل تلو الآخر: الحرب في اليمن بعيدة عن الحسم، حيث الجيش السعودي غارق في المستنقع اليمني، إدارة الأزمة السورية سحبت من أيدي السعودية، وبرغم الأموال الهائلة التي قدرت بمئات ملايين الدولارات التي تم تبذيرها على ميليشيات مختارة، لم تنجح المملكة في إسقاط بشار الأسد. الشرخ العميق مع قَطر والعقوبات التي فُرضت عليها من قبل السعودية في العملية التي انضمت إليها الإمارات والبحرين ومصر، تبدو الآن خطأ سياسيا كبيرا أدت إلى الانقسام في مجلس التعاون الخليجي، ولم تؤد إلى تغيير سياسة قَطر. تدخل الأمير محمد في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لم يثمر حتى الآن، وإجباره رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على الاستقالة من منصبه، هي خطوة سعودية يائسة، من المشكوك أن تحقق الهدف منها، وذلك بحبس الدولة الصغيرة في سجن فوضى، من أجل التشويش على إيران في إدارتها. يبدو أن التعاون الوثيق مع رئيس الولايات المتحدة ترامب هو الإنجاز الوحيد الذي يمكن للمملكة أن تتفاخر به.
يحتمل أن يكون ثقل القوة الموجودة لديه وقلة تجربته السياسية هما ما جعلا الأمير محمد بن سلمان (33 سنة) يستخدم قوة السعودية الكبيرة، خلافًا للنهج الدبلوماسي الذي استخدم من خلف الكواليس، والذي ميز عهد الملك عبد الله. ويمكننا أن نضيف أيضا إلى استعراض قوة الأمير، تصريحاته المتبجحة مثل «مشروع السعودية 2030» الذي من المتوقع أن يحقق تقدما اقتصاديا، تنويع مصادر التمويل وتقليص الاعتماد على النفط، وبرنامج إنشاء مدينة المستقبل في إطار مشروع «ان.إي.يو.ام» باستثمار 500 مليار دولار وحتى ترليون دولار. وكذلك أيضا الخطوة الرمزية التي سمح بها للنساء قيادة السيارات. كل ذلك يخلق صورة دولة تتقدم نحو التطور والحداثة، لكن من أين سيأتي العمال الذين سيبنون هذه المشروعات؟.
السعودية هي دولة غنية جدا، وفائض العملة الأجنبية فيها يقدر بنحو 700 مليار دولار، لكنها تعتمد ليس فقط على النفط، بل أيضا على 10 ملايين عامل أجنبي. من جهة، أعلنت الحكومة برنامجا طموحا لتقليص عدد الأجانب، ومن جهة تطمح لإنشاء مشروعات ضخمة جدا من دون أن تكون لها قوة العمل المهنية المحلية التي يمكنها تنفيذها. هذا فقط مثال واحد عن الفجوة بين القرارات والتنفيذ.
أيضا الحرب ضد الفساد التي استخدمت ذريعة للاعتقالات الأخيرة، لم تسجل إنجازات حقيقية حتى الآن، لأن الفساد في السعودية هو فساد هيكلي، لا يقتصر على عدد من كبار أصحاب الأموال. الأنظمة البيروقراطية تقتضي الدفع من تحت الطاولة، المستوردون والمصدرون ملزمون بدفع مبالغ لمن يمنحون التراخيص، علاقات مع السلطة من أجل الحصول على تسهيلات تكلف الأموال، علامات جيدة في المدارس والجامعات تقتصر فقط على الناس ذوي الحظوة، ومثلها أيضا الوظائف الحكومية التي تؤمن دخلا معقولا وتقاعدا ولا تلزم بالعمل الحقيقي. من الأفضل الآن أن لا نحبس الأنفاس في انتظار مقياس النزاهة في المملكة.
هآرتس