فلسطين قلب الأمة العربية
غالب قنديل
بعيدا عن مهاترات الجدل العقائدي عن وجود الأمة العربية او النقاش القديم حول هوية الكتلة البشرية المقيمة في هذا الشرق هل هم امة واحدة ام امم ( قومية سورية ام مشرقية أم نظرية القوميات الأربع الخ…) أكدت التجربة التاريخية منذ وعد بلفور وقبل مئة عام ان الغرب الصناعي الاستعماري وضع خطة نهب وسيطرة على هذه المنطقة برمتها ( من المحيط إلى الخليج ) فأوجد في قلبها قاعدة عدوانية لفرض الهيمنة ولمنع التقدم والاستقلال وأراد المستعمرون بذلك إخضاع شعوب المنطقة وتدمير إرادتها الاستقلالية الحرة كما بينت عقود تلت تحقيق الوعد الاستعماري بسلب فلسطين لصالح حملات الاستيطان الصهيونية.
فلسطين تتوسط الجغرافية الطبيعية للشرق وتحيط بها دول رسمها الانتداب الاستعماري الفرنسي والبريطاني قبل مئة عام في قلب دائرة تضم مصر وسورية والأردن ولبنان وتشمل حلقات تشابكها وارتباطها البشري والاجتماعي والسياسي العراق وشبه الجزيرة العربية والخليج ودول شمال أفريقيا الناطقة بالعربية.
قاعدة الهيمنة الاستعمارية على الشرق العربي وشمال أفريقيا أنشئت في فلسطين من خلال كيان استيطاني استعماري دججته الإمبريالية بأحدث ترسانة سلاح متقدمة طوال القرن المنصرم ليكون قاهرا ومتفوقا على الجوار العربي وبمثابة عصا غليظة يحركها المستعمرون لإخضاع الشعوب المتمردة في منطقة مترامية الأطراف من غرب آسيا حتى أقصى شرقها ومن سواحل البحر الأحمر إلى شمال أفريقيا ووسطها حتى سواحلها الغربية الأطلسية وفي قلب هذه المنطقة ممرات التجارة الدولية العابرة للبحار والمحيطات ومصادر تدفق الطاقة الحديثة التي تزايد دورها اهمية وخطورة وباتت حاجة وجودية وجودية للرأسمالية الغربية المتعطشة للنفط والدماء والتي لم تتردد في محاولاتها لتكسير عظام حركات التحرر والاستقلال خلال المئة عام المنصرمة.
لو لم تكن الأمة العربية موجودة عند انطلاق هذا المخطط الاستعماري الصهيوني البريطاني الجهنمي كما يزعم بعض المؤرخين فهي أمة تشكلت واقعيا في مخاض القرن المنصرم على وعد بلفور والعبرة ليست بما فعلت الحكومات او لم تفعل في مجابهة العدوان الاستعماري الصهيوني المتواصل على أرض فلسطين وفي بلدان المنطقة بأسرها بل بتفاعل سكان هذه المنطقة الجغرافية المترامية الأبعاد والحدود الذين تمثل قضية فلسطين نقطة متوهجة في وعيهم الجمعي وفي ضمائرهم ومحفزات حركتهم النضالية وهم شاركوا في حركات تضامن مع حركات المقاومة بحرارة وتطوع شبانهم على مدى عقود في موجات من المقاتلين من اجل تحرير فلسطين والتصدي لحروب الكيان الصهيوني وعبروا باستمرار عن تطلعهم لتوحيد جهود دولهم وشعوبهم في سبيل ردع العدوان الصهيوني والهيمنة الاستعمارية على هذا المتحد الاجتماعي الضخم والزاخر بالثروات والقدرات الكامنة والمسلوبة.
توق الناس هو ذاته من اليمن إلى المغرب والجزائر وصولا لمصر وسورية والعراق والأردن ولبنان وشبه الجزيرة والخليج يتمثل بعطش شديد للتحرر من هيمنة المستعمرين وعملائهم والانخراط في مسار التخلص من الكيان الصهيوني ولم تنجح في إخماد هذا الوعي او تعقيمه جميع مشاريع التسوية والتصفية ولا شيوع ثقافة الاستسلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني بدافع العجز عن التغلب عليه ولا تعميم العصبيات القطرية والدينية والمذهبية لتفكيك نسيج متلاحم ظهر كقوة متماسكة في موجات مد وطني تحرري واكبت أحداثا عظيمة في تاريخ المنطقة وتناغم خلالها الناس بين المحيط والخليج مع كل بادرة مقاومة ونهوض تمزق دجى الهزيمة والاستسلام بمشاعل المقاومة والرفض.
من الطبيعي والمنطقي ان تظهر نزعة التوحد العفوية في وجه الغزوات والحروب طالما انها تجسيد لتفاعل امة ممزقة بتدبير الاستعمار وعملائه والطبيعي أيضا ان يتعرج مسارها في الزمن وبتنوع الأحداث وحوافز التفاعل الواقعي مع تهديدات وجودية يثيرها السلوك الاستعماري الذي استعمل ادوات متعددة لتمزيق هذه الأمة ولكسر نزوعها التحرري والوحدوي.
رغم مظاهر الخنوع والخمود ما تزال قضية فلسطين حية وما يزال متوقدا تشابكها المصيري بالوجدان العربي الجمعي وتتعاقب الأجيال المقاومة المناضلة الساعية لتحرير فلسطين وانتشالها من نير آخر استعمار استيطاني في تاريخ البشرية وليس من المصادفات ان الوعد بالكيان الاستيطاني الصهيوني صدر عن الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية في توقيت قريب من قرار عصبة الأمم عن تصفية الاستعمار القديم فهذه القاعدة كانت ركيزة خطة استعمارية ضخمة تطال الشرق بأسره انطلاقا من الوطن العربي الممزق وهاهي الأحداث الناجمة عن استيلاد جماعات التكفير الإرهابية منذ أربعين عاما تثبت ان أدوات الاستعمارالقديمة والجديدة تستولد من هذا الشرق العربي لترسل إلى سائر انحاء المعمورة بما فيها الغرب نفسه!!!