بقلم ناصر قنديل

التسوية اللبنانية ليست في خطر: ناصر قنديل

مع موجة التصعيد السعودية التي استهدفت المقاومة، خصوصاً عبر تغريدات وزير شؤون الخليج السعودي ثامر السبهان، وتصاعد الإجراءات الأميركية ضدّ حزب الله ضمن حملة منظمة سياسية ومالية وقانونية وإعلامية وأمنية، سادت تساؤلات حول مصير التسوية اللبنانية وما أنتجته من حكومة موحّدة وتفاهم على إجراء الانتخابات النيابية، وصار الجواب مع مناخات متزايدة لتجاذب أميركي إيراني يزداد حدّة، أكثر صعوبة. فلبنان هو الساحة التي يمكن فيها عبر لعبة الفوضى إلحاق الضرر بالمقاومة المتمسكة بالاستقرار، ويمكن إطلاق العصبيات المذهبية التي يمكن لها أن تستنزف المقاومة في الزواريب الداخلية وسجالاتها، وربما مواجهاتها .

التسوية التي أوصلت الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، لا يتيح العبث بها الحفاظ على مكتسباتها، فهل نضجت معطيات التضحية برئاسة الحريري للحكومة لقاء تزخيم المعركة ضدّ حزب الله؟

الجواب الداخلي اللبناني يقول بالنفي، لأنّ الرئيس الحريري نجح بإنتاج ثنائية مريحة مع التيار الوطني الحر تحتوي الخلاف الكبير بينهما حول العلاقة بحزب الله، وسورية، وتنتج معادلة داخلية لتقاسم المناصب والمكاسب من عائدات الوجود في السلطة، ويدافع فيها كلّ منهما عن الآخر والتعاون معه، رغم غيظ وانتقادات حلفاء الفريقين. ولا يبدو أنّ مثل هذه التضحية ترد في بال رئيس الحكومة، بل يبدو التمسك بها شرطاً لاسترداد الحريري ما نزعه منه منافسوه في ساحته، وربما يكون بال الحريري مشغولاً في كيفية تحويل هذه الثنائية تحالفاً راسخاً، ولو خسر حلفاء الأمس القريب والبعيد، ولو كان من مقتضيات هذا التمسك بالتسوية إدارة ناعمة للخلاف مع حزب الله من جهة، ولمستلزمات التحالف مع الرياض وواشنطن، دون بلوغ اللحظة الحاسمة.

تبقى فرضية واحدة لنسف التسوية الداخلية، وهي رفع الغطاء السعودي الأميركي عنها، وإلزام مَن لا يستطيع رفض الالتزام، وهذا ينطبق على الحريري بالتأكيد، بالسير في الخروج منها، ومثل هذه الفرضية تستدعي وجود قراءة تقول بأنّ المعركة الكبرى مع إيران وحزب الله وراء الباب، ولا مانع من أن يبدو حزب الله قد كسب بالنقاط من سقوط التسوية إطلاق يده في الداخل اللبناني ومعه شريكان قويان هما رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ ورئيس المجلس النيابي وحركة أمل، فهل هذه هي الصورة؟

كلّ المؤشرات تقول إنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تهرّبت من المواجهة المفتوحة، عندما رسمت خطاً أحمر حول الحدود السورية العراقية، وأصرّت سورية وحلفاؤها على تخطّيه، ليست بوارد الذهاب لمواجهة تحت عناوين أشدّ تعقيداً، وأنّ التسخين التفاوضي في زمن التسويات يخدع المتسرّعين ويُوحي لهم بأنّ المواجهة تقترب. وخير المؤشرات ما يجري بعد زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لروسيا، من إعلان عن التحضير لحوار سعودي إيراني برعاية روسية، كذلك تواصل التسويات الصغيرة في سورية وشراكة جماعات السعودية فيها كحال «جيش الإسلام» مؤخراً.

– الإشارة الأهمّ لكون زمن التسويات هو المهيمن هي المصالحة الفلسطينية، برعاية مصرية، وما تختزنه من تغطية أميركية روسية سعودية إيرانية، تشبه التسوية اللبنانية، فتحفظ سلاح المقاومة، وتمنح ميزات السلطة لطالبيها، وتمهّد لمرحلة ما بعد الحرب في سورية، وتضمّ فلسطين للنموذج اللبناني، ما يعني أنّ النموذج اللبناني غير مطروح على المشرحة لإعادة النظر، بل معروض في الواجهة للاستنساخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى