حزب الله مطمئن «للجبهة الداخلية» و«المساكنة» مع الحريري “صامدة”: ابراهيم ناصرالدين
«ابتسم» رئيس الحكومة سعد الحريري قبل ايام عندما سئل من قبل شخصيات سياسية بيروتية زارته في بيت الوسط عما سيفعله اذا ما طلبت منه المملكة العربية السعودية المشاركة في حملة الضغوط المتصاعدة على حزب الله، وكيف سيؤثر ذلك على استمرار الحكومة؟ اكتفى رئيس تيار المستقبل بتلك الابتسامة المعبرة، وتقصد تجاوز السؤال وانتقل بالحديث الى ملفات أخرى لها علاقة بالتنمية بعيدا عن السياسة… طبعا لم يفهم الحاضرون ما قصده الحريري من ابتسامته وما الذي دفعه لعدم الاجابة الصريحة على السؤال، لكن احد نواب تيار المستقبل تبرع بتقديم تفسير لما استبطنته ابتسامة رئيس الحكومة، واختصر الاجابة بالقول « السعودية لن تطلب منه ذلك وهو لا يريد القيام بمهمة مماثلة اذا طلبت منه، الاولوية للاستقرار والحفاظ على الحكومة وعلى العلاقة الجيدة مع رئيس الجمهورية »…
هذا التفسير للنائب «المستقبلي»، توافق عليه اوساط نيابية في 8 آذار، ولكنها تضيف اليه جملة قد تكون سقطت «سهوا» وهي ان «الحريري لا يريد لانه غير قادر»، هو يدرك كما تدرك الرياض وواشنطن ان ثمن «الدعسة الناقصة» الان سيكون كبيرا، ودون توفر الظروف الداخلية المناسبة سيعني ذلك «انتحارا». ولهذا لم تطلب القيادة السعودية من الحريري اي تعديل في النهج المتبع راهنا، ولذلك لا يجد نفسه تحت اي ضغط من حلفائه، في المقابل يتعامل حزب الله مع هذا الملف وفق الآية القرآنية «لاتز وازرة وزر الاخرى»، وهذا ما يعزز استمرار التفاهم «الضمني» بين الجانبين على تحييد الساحة الداخلية عن «الكباش» الاقليمي والدولي، ما يعني استمرار معادلة «ربط النزاع» في الحكومة…
وبحسب اوساط «التيار الازرق» نصح الحريري حزب الله عبر طرف ثالث بضرورة «تهدئة» «اللعبة» لتجنيب لبنان الهزات الارتدادية «لزلزال» المنطقة، فهو بعد زيارته الاخيرة الى واشنطن عاد مقتنعا ان ادارة ترامب لديها قرار متخذ بتصعيد الموقف مع الحزب، وهو شكى بأن قيادة حزب الله لا يقبل «النصيحة»، وهو يحملها نتائج ومسؤولية هذه المواجهة المفتوحة والتي لن يكون جزءا منها…
في المقابل، يبدو حزب الله مستنفرا لمواجهة الحملة الجديدة، ولكنه يبدو مطمئنا الى «الجبهة الداخلية»، وبحسب اوساط مقربة منه، من لديه «صديقا كالسعودية لا يحتاج الى أعداء»، وقد دلت الوقائع بأن الاستراتيجية المتبعة في المملكة «قصيرة النظر»، هذا ما حصل مع حلفاء المملكة في اليمن، بعد ان ادت الحسابات الخاطئة الى خروج الرئيس السابق علي عبد الله صالح من تحت «العباءة» السعودية ووقف جنبا الى جنب مع «خصومه» في انصار الله لمواجهة العدوان السعودي، وبعد ان كان اليمن «حديقة خلفية» للرياض بات اليوم «شوكة» في «خاصرتها» بعد ظهور طيف طهران من صنعاء الى الحدود السعودية في نجران وعسير…
وهذا ما حصل ايضا في سوريا حين انقضت القيادة السعودية بمساعدة الامارات على حركة «الاخوان المسلمين»، فاجهضت تجربتها في مصر، «واحتوتها» في تونس، ولاحقت انصارها في دول الخليج، وهذا ما انعكس انقساما بين المعارضات على الساحة السورية، وتحول الصراع الى مواجهة بين «السلفية الجهادية» و«الاخوان»، فتضــعضع التحالف في وجه محور المقاومة، وبعد ان شعرت انقرة انها المستهدفة بدأت التراجع «التكتيتي» الى الخطوط الخلفية الروسية الايرانية.. اما الــطامة الكبرى فكانت في فتح معركة جانبية مع الدوحة، في توقيت شديد الغرابة، ونتيجة هذه الحسابات الخاطئة انهار التحالف السعودي على كافة الجبهات… والخلاصة ان اخطاء السعودية قدمت لطهران وحلفاءها المنطقة على طبق من «ذهب»، والان هي تبحث عن تقليل الخسائر، لا اكثر ولا اقل، وبحــسابات بسيطة هذا الامر غير متاح في لبنان، لان السعودية لا تملك اي مقومات جدية لخوض صراع مباشر مع حزب الله، اما الاسباب فكثيرة واهمها سياسات القيادة السعودية التي ساهمت بشكل كبير في اضعاف فريقها السياسي..
وفي هذا السياق، تؤكد تلك الاوساط، ان الفرصة الجدية التي ضيعتها المملكة كانت في غيابها عن التسوية الرئاسية الاخيرة، فالرياض كانت خارج «المعادلة» ومن يقول عكس ذلك يمارس «الغش» على الاخرين ويخدع نفسه في آن واحد، الرئيس سعد الحريري شعر جديا «باليتم» حين ذهب يفاوض الرئيس ميشال عون، المسؤولين السعوديين اخبروه صراحة ان لبنان «بامه وابيه» ليس على جدول اعمالهم، بل ان مسؤول سعودي أخبره صراحة ان الامير محمد بن سلمان اقنع الملك بان الساحة اللبنانية باتت تشكل عبئا على المملكة وتستنزفها دون جدوى، وكان القرار بالانسحاب السياسي والمالي، وحتى العسكري، بعد ان سئمت السعودية من الرهان على المؤسسة العسكرية لايجاد التوازن الذي تبحث عنه لمواجهة حزب الله..
هذا الانسحاب كانت له اثمانه الباهظة، ومن الصعب تعويضه «بتغريدات» على «تويتر» او باستدعاءات الى المملكة، ثمة الكثير من الامور على الارض تغيرت، اولها ان الرئيس الحريري اليوم هو في اضعف ايامه منذ دخوله المعترك السياسي عقب اغتيال والده، ومن ساهم في اضعافه المملكة نفسها، عندما سمحت اولا بنشؤ مراكز قوى داخل تيار المستقبل ادت الى محاصرة رئيس الحكومة وبات في وضع غاية في الصعوبة، وكانت ابرز معالم الانشقاقات، وزير العدل اشرف ريفي الذي ما كان ليجرؤ على مغادرة «المركب» لولا «الضوء الاخضر» السعودي، وفي عكار ما كان النائب خالد الضاهر ليتمرد لو شعر ان السعودية ستعاقبه على تمرده، وينسحب هذا الامر ايضا الرئيس فؤاد السنيورة الذي يقود حالة اعتراض تلامس حدود التمرد داخل «التيار الازرق»، فيما كان وزير الداخلية حتى الامس القريب «حمولة زائدة» على رئيس الحكومة بسبب «الخط العسكري» الذي كان مفتوحا مع نظيره الامير السعودي «المعزول» محمد بن نايف..
وبالتزامن مع هذا «الخرق» الداخلي المبارك سعوديا، خرجت المملكة بنظرية عدم «حصرية» الحليف السني في لبنان وانفتحت على كل خصوم الحريري الذي حوصر ماليا في المملكة وجرى التعامل «بكيدية» كبيرة معه أدت الى خسارته سعودي أوجيه ودخوله في أزمة سيولة خانقة دفعت به الى «احضان» حليف حزب الله التيار الوطني الحر، وابرم معه تسوية رئاسية بعد ان اصبحت عودته الى الحكومة بمثابة «قارب النجاة» الوحيد للبقاء على «قيد الحياة» سياسيا… وهو اليوم لا يريد التضحية برئاسة الحكومة لانها المصدر الوحيد لتمويل الحملة الانتخابية …
معركة الرئيس الحريري اليوم هي محاولة استعادة الشارع السني، وليست في مكان آخر، لم يعد قادرا على جر السنة الى مواجهة عبثية مع الشيعة، محاولات عزل حزب الله عن حركة امل فشلت مرارا وتكرارا، ويدرك رئيس الحكومة ان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيكون «رأس حربة» في التصدي لاي مشروع داخلي او خارجي لاضعاف حزب الله.. وعلى الضفة الاخرى يدرك الرئيس الحريري ان الشارع المسيحي بغالبيته داعم للحزب بفعل تماسك التحالف مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، ومن الصعب جدا استمالة الرئيس عون المنخرط حتى «العضم» في استراتيجية محور المقاومة في المنطقة..فبمن ستخوض السعودية مغامرتها؟
سؤال لا تبدو الاجابة عنه صعبة؟ ببساطة لا أحد، هي تفتقد الى الحد الادنى من مقومات النجاح، حزب الله نجح في حربه الاستباقية على المجموعات الارهابية في الحدود الشرقية، وانتزع واحدة من اهم ادوات الاستثمار الاميركي -السعودي على الساحة اللبنانية لاستنزاف المقاومة.. وهنا تتكشف ايضا اكثر فصول الحسابات السعودية الخاطئة والمتسرعة، ففي الوقت الذي تعاملت به واشنطن بواقعية مع هذا الملف وضغطت لتأجيل الحسم في الجرود، كانت اولوية الرياض الانتقام من الدوحــة عبر ضرب مجموعاتها المسلحة على الحدود اللبنانية، وفي الوقت نفسه ادخال حزب الله في معركة استنزاف طويلة الامد، وحثت الحريري على غض الطرف عما يحصل، لكن المفاجأة كانت في سرعة الحسم وضياع هذه الورقة «الثمينة» من يد السعوديين، فغضبت واشنطن وابلغت السعوديين عن «استياءها» من القرارات المتهورة،بعد ان فشلت بالضغط على المؤسسة العسكرية التي التزمت بالقرار السياسي الذي تاثر «بالتمنيات» السعودية حكوميا، وبحسم الرئيس عون رئاسيا، والاندفاع الميداني للمقاومة الذي حشر الجميع… وفي الخلاصة لا يرى حزب الله في الحريري جزءا من المعركة الجديدة ضده، وستستمر «المساكنة» طالما بقي خارج «اللعبة»…
(الديار)