لهذه الأسباب لا تريد إسرائيل إلغاء الاتفاق النووي مع إيران: عاموس يدلين وافنر غولوب
ليس هذا هو الوقت لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، بل لخلق الظروف الاستراتيجية المناسبة لإلغائه في المستقبل، إذا ما تقرر وجود حاجة إلى ذلك، وبناء روافع لبديل مستقبلي أفضل. شرط ضروري لذلك هو خلق الظروف الدولية للضغط على إيران كي تقبل القيود المقترحة أو الأعمال الوقائية التي توقف إيران إذا ما قررت الاندفاع نحو السلاح النووي. أما تأجيل القرار بشأن مستقبل «اتفاق فيينا» فلا يعني سياسة سلبية تجاه إيران. فإلى جانب الجهود لتشكيل ائتلاف دولي حيال إيران يجب العمل ضد الأعمال الإيرانية السلبية كلها التي لا يغطيها الاتفاق، والعمل على «اتفاق موازٍ» يرتب الاستراتيجية العامة حيال جملة من التهديدات من إيران .
حتى 15 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي سيكون الرئيس دونالد ترامب مطالبًا بأن يجيب عن سؤالين مركزيين بالنسبة للاتفاق النووي الذي وقّع بين إيران والقوى العظمى في تموز/ يوليو 2015: هل إيران تستوفي التزاماتها في الاتفاق؟ وهل الاتفاق يخدم المصلحة الأمريكية؟ إذا أجاب الرئيس سلبًا عن أحد السؤالين، فإنه سيحرك نقاشًا في الكونغرس الأمريكي عن استئناف جزءٍ من / أو العقوبات كلها ضد إيران والشركات التي تتاجر معها. ومؤخرا صرح وزير الدفاع الأمريكي جيمز ماتس بأن الحفاظ على الاتفاق هو مصلحة أمريكية. وأكد رئيس الأركان جيمز دانفورد أن إيران لا تخرق الاتفاق. ولكن الرئيس يعود ليعلن أن هذا اتفاق سيئ وأن في نيته إلغاءه، أو على الأقل فتحه من جديد للمفاوضات مع إيران. رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو هو الآخر دعا إلى إلغاء الاتفاق أو إصلاحه.
الاتفاق النووي مع إيران إشكالي بالفعل وينطوي على خطر استراتيجي لإسرائيل على المدى البعيد. ومع ذلك، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن إلغاء الاتفاق لا ينطوي على مخاطر استراتيجية. والزعامة المسؤولة ملزمة بفحص السيناريوهات المعقولة والواقعية التي يمكن أن تنشأ في أعقاب إلغاء الاتفاق، وتقديرها بالنسبة لإبقاء الاتفاق على حاله. وعلى التحليل أن يركز على ثلاثة أسئلة: هل يوجد بديل أفضل للاتفاق؟ إذا كان الجواب إيجابًا ـ فكيف يمكن التوجه إلى إلغاء الاتفاق أو إلى إصلاحه على الأقل، وما هو الوقت المناسب لذلك. استنتاج التحليل هو أن هذا ليس الوقت لإلغاء الاتفاق بل لخلق ظروف استراتيجية مناسبة لإلغائه في المستقبل، إذا ما تقرر وجود حاجة إلى ذلك، وبناء روافع لبديل مستقبلي أفضل.
في معهد بحوث الأمن القومي وصف «الاتفاق الجيد» بأنه اتفاق يعد أفضل من البدائل المركزية ـ قنبلة إيرانية أو القصف لإيران. لهذين البديلين ثمن باهظ للغاية وعليه فيجب الامتناع عن معضلة «القنبلة أم القصف» حتى استنفاد البدائل الأخرى كلها لوقف إيران عن انتاج قنبلة نووية. أولئك الذين يؤيدون اتفاق فيينا يدّعون بأنه أفضل من باقي البدائل، إذ أنه يرجع البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء إلى «زمن انطلاق» من سنة (الزمن اللازم لإنتاج مادة مشعة لإنتاج السلاح النووي) ويخضع البرنامج لقيود مشدّدة على مدى نحو 10 ـ 15 سنة. بالمقابل فإن منتقدي الاتفاق يدّعون بأنه عمليًا يشق هذا الطريق لإيران لتثبيت نفسها على الحافة النووية على «مسافة صفر» من القنبلة.
في العقد الثاني منذ توقيع الاتفاق، سيسمح لإيران بتجاوز الحافة النووية، من دون أن يكون ممكنا وقفها. وحسب هذا المنطق يؤدي الاتفاق إلى خيار القنبلة النووية الإيرانية. حالة كوريا الشمالية، التي وقعت قبل عشرين سنة اتفاقات مشابهة، وهي اليوم مسلحة بسلاح نووي، تعزز هذه الحجة. معارضو الاتفاق يشيرون أيضا إلى علاوة المقدرات التي توجد تحت تصرف إيران في أعقاب رفع العقوبات وتسمح لها ببناء قوة عسكرية تقليدية، مع التشديد على الصواريخ الباليستية، الدفاع الجوي المتطور وكذا تمويل أعمال تآمرية ومثيرة للاستقرار في الشرق الاوسط ـ والتي لا يتناولها الاتفاق.
الطرفان، مؤيدو الاتفاق ومنتقدوه ـ يعرضون تحليلًا صحيحًا، لكنه جزئي لنتائجه. في المدى القريب (5 ـ 8 سنوات مقبلة)، يخلق الاتفاق واقعًا استراتيجيًا أفضل من بدائل «قنبلة أم قصف».
بعد ذلك، سيسمح الاتفاق بالتدريج بنشوء واقع أخطر، تتثبت فيه إيران على الحافة النووية. هذا الواقع ستكون الحال فيه صعبة جدًا، وربما متعذر وقف إيران إذا قررت إنتاج سلاح نووي. في ضوء ذلك فإن الزمن الصحيح لفحص إلغاء الاتفاق أو فتحه ليس اليوم، بل قبل قليل من رفع القيود عن البرنامج النووي الإيراني (أعوام 2023 ـ 2025). وقبل ذلك، فإن الاتفاق يكون أفضل من البدائل الأخرى، طالما كانت إيران لا تخرقه. في هذه الفترة يجب التركيز على رقابة شاملة وعميقة على البرنامج النووي الإيراني. يجب الحرص على ألا تكون إيران قريبة أكثر من سنة عن القدرة لانتاج سلاح نووي، ومنع عملها الذي يعرض للخطر المصالح الأمريكية والإسرائيلية، ولا تغطى في إطار الاتفاق النووي: وقف برنامج الصواريخ والمس بالمساعدة الإيرانية لمنظمات الإرهاب والتآمر في المنطقة. وبعد ذلك، بالتدريج، يفقد الاتفاق مزاياه على البدائل الأخرى. لا ينبغي الوصول إلى هذا الوضع بلا إعداد، وعند الحاجة سيكون مطلوبا أيضا تغيير الاتفاق او إلغاؤه.
يبدو أن الرئيس ترامب يقدّر بأنه يوجد بديل أفضل للاتفاق حتى في المدى الزمني القصير. في الأيام الأخيرة نشر أنه لا يعتزم الانسحاب من الاتفاق، ولكن ألّا يُصادِق أيضا للمرة الثالثة بأن إيران تلتزم به أو أن الاتفاق يخدم المصالح الأمريكية. ويعتزم الرئيس على ما يبدو الإعلان بأن إيران تخرق الاتفاق ويفتح في الكونغرس النقاش على إعادة العقوبات. يمكن للكونغرس أن يقرر في غضون ستين يوما إعادة العقوبات، وعمليا «يقتل الاتفاق». خيار آخر هو أن يقرر في هذه الأثناء عدم إعادة العقوبات ومواصلة البحث، وهكذا الإبقاء على إطار الاتفاق وعلى «العصا» المتمثلة بالإعادة الفورية للعقوبات. وسيخدم هذا البديل المحاولة الأمريكية للضغط على إيران للموافقة على تعديل الاتفاق، بحيث تعالج نقاط الضغط فيه: استمرار جهود البحث والتطوير الإيرانية، التي تحسن قدرات تخصيب اليورانيوم وتقصر زمن الانطلاق نحو القنبلة؛ الرقابة غير الوثيقة على المواقع العسكرية الإيرانية ـ المعلنة وغير المعلنة؛ وكذا التواصل المحدود لتجميد البرنامج النووي. نظرا، يدور الحديث عن بديل يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، ولكن ستكون حاجة إلى إنتاج ضغط غير مسبوق على إيران كي توافق على هذه التعديلات في الاتفاق كلها.
لم توافق إيران على هذه التعديلات، في إطار المفاوضات معها في زمن إدارة أوباما. من الصعب أن نرى كيف سيكون ممكنا خلق ضغط كهذا اليوم، حين تكون القوى العظمى كلها، باستثناء الولايات المتحدة لا تقبل الادعاء بأن إيران لا تعمل وفقا للاتفاق أو «بروحه». وقبل أن يتبلور ائتلاف مصمم برئاسة الولايات المتحدة يضم الشركاء الأوروبيين للاتفاق ـ بريطانيا، فرنسا وألمانيا ـ فإن الروافع التي سيكون ممكنا ممارستها على إيران ستكون أضعف من تلك التي استخدمت في المفاوضات في 2012 ـ 2015. ولضمان ضغط ناجع على إيران، على هذا الائتلاف أن يعمل بالتنسيق مع دول أخرى، تقيم تجارة واسعة النطاق مع إيران (بينها الهند، تركيا وكوريا الجنوبية). يوجد أيضًا خطر ألّا يتمكن الرئيس في أن يتحكم على مدى الزمن في مجلسي النواب والشيوخ، حيث توجد اليوم أغلبية جمهورية تعارض الاتفاق. ومن شأن إلغاء الاتفاق أو فتحه بشكل أو بآخر في وقت غير مناسب أن يؤدي إلى واقع تتحرر فيه إيران من قيود الاتفاق ويكون طريقها عندها نحو القنبلة مفتوحا، بينما واشنطن معزولة وعديمة الشرعية للعمل على وقفها. هذا الواقع خطير إذ أنه سيفاقم معضلة «القنبلة ـ القصف».
إن تعديل الاتفاق هو بديل يجب السعي إليه في المدى الزمني المتوسط ـ البعيد، ولكن فقط بعد خلق الظروف الدولية للضغط على إيران كي تقبل القيود المطروحة. يجب أن نضمن بأن يكون ممكنًا العمل ضد إيران إذا ما قررت الانسحاب من الاتفاق، أو كبديل، التوجه نحو القنبلة النووية. لهذا الغرض على الولايات المتحدة أن تطلق منذ اليوم معركة دبلوماسية دولية لخلق ائتلاف لتحسين الاتفاق مع حلفائها في أوروبا وآسيا. يجب أن تتبلور تفاهمات حول التعديلات اللازمة في الاتفاق والإشارة إلى استراتيجية متفق عليها للعمل، إذا لم تستجب إيران لطلب تعديل الاتفاق.
في المدى الزمني القصير الذي يشكل فيه الاتفاق البديل الواقعي الأفضل، وبالتأكيد طالما لم يتبلور بعد الائتلاف لتغيير الاتفاق، على الإدارة الأمريكية أن توجه سياستها بحيث أن إلغاء الاتفاق سيكون نتيجة قرار إيراني أو خروقات إيرانية فظة. في المدى الزمني البعيد، عندما يفقد الاتفاق فضائله المركزية، على واشنطن أن تقود نحو تغيير الاتفاق، وفي حالة ألا يتحقق التغيير، أن تنسحب منه. فقدرة الولايات المتحدة في المستقبل على قيادة ائتلاف للعمل ضد إيران ستكون حرجة من أجل منع السلاح النووي عن إيران.
إن تأجيل القرار بشأن مستقبل «اتفاق فيينا» لا يعني سياسة سلبية تجاه إيران. فإلى جانب الجهود لتشكيل ائتلاف دولي حيال إيران يجب العمل ضد كل النشاطات الإيرانية السلبية التي لا يغطيها الاتفاق. والادعاءات التي طرحها رئيس الوزراء نتنياهو ضد الاتفاق قوية، ولكن لا يندرج أي منها رسميا في الاتفاق. من المهم والممكن العمل حيال إيران في كل هذه المجالات، بالذات لأنها ليست في إطار الاتفاق.
وبالتوازي؛ على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تعملا على «اتفاق مواز» يحدد أي أعمال إيرانية ستعتبر خرقا فظا للاتفاق، وبلورة إجماع حول الأعمال اللازمة للرد على هذه الخروقات. وعلى هذا الاتفاق الموازي أن يتناول تنسيق الجهد الاستخباري حيال البرنامج النووي الإيراني، السياسة الإسرائيلية والأمريكية التي ستتخذ في حالة محاولة إيرانية، سرية أم علنية، انتاج سلاح نووي، ووضع خطة لبناء قدرات إسرائيلية مستقلة لمواجهة هذا السيناريو. وفي الختام، على الاتفاق أن يتضمن سياسة مشتركة ضد التهديد الإيراني غير النووي على إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
في المدى البعيد حيال إيران، فإن تعديل الاتفاق وتمديد الفترة التي يعتبر فيها البديل الافضل، يجب أن يكون الهدف الإسرائيلي ـ الأمريكي. ولتحقيق هذا الهدف ولمواجهة التهديدات الكامنة فيه هناك حاجة لمعركة دبلوماسية مسبقة وتنسيق إسرائيلي ـ أمريكي وثيق. في إسرائيل توجد رغبة لاستغلال تصميم الرئيس الأمريكي على العمل لتغيير الاتفاق أو عند الحاجة لإلغائه. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر بأن خطوة متسرعة قبل خلق الظروف الدولية المناسبة ستضع الدولتين أمام تهديدات خطيرة حتى أكثر من تلك النابعة اليوم من الاتفاق وتعرض للخطر إمكانية تحقيق هدفهما المشترك ـ ألا وهو منع السلاح النووي عن إيران.
نظرة عليا