الدبلوماسية ضد كوريا الشمالية…. بعض الايجابيات: جيفري بدر
في سياق تغطية القضية النووية الكورية الشمالية، تحدثت وسائل الإعلام عن اجتياز مرحلة متقدمة لاختبارات القنبلة والصواريخ الكورية الشمالية، والتطورات الدبلوماسية المحيطة بها. وكان واضحا أن التقدم الذي أحرزته برامج أسلحة الدمار الشامل في كوريا الشمالية جدير بالاهتمام ومثير للقلق، فإن ردود الفعل الدولية تشير إلى الحاجة لمزيد من التعاون الدولي لتجميد أو والحد من برامج كوريا الشمالية.
والجهات الفاعلة الرئيسية في شمال شرق اسيا هي الدول الخمس: الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية واليابان وروسيا وهي شاركت في المحادثات السداسية التي بدأت في العام 2003 والتي تهدف الى نزع الاسلحة النووية من كوريا الشمالية. وقد بدأ كل من هذه الدول ما عدا روسيا بشكل فردي وجماعي بإعادة التفكير في مصالحهم الأمنية في أعقاب وابل التجارب الكورية الشمالية، وتوعدت بنهج دولي أكثر تماسكا وفعالية من شأنه أن يجعل كوريا الشمالية تدفع ثمنا باهظا لسلوكها.
أهم ديناميكية إقليمية بشأن هذه المسألة هي التفاعل بين كوريا الجنوبية واليابان والصين. القت الصين لسنوات عديدة اللوم على كل من كوريا الشمالية والولايات المتحدة حول مشكلة الأسلحة النووية في شبه الجزيرة، وضبطت نفسها بشكل متزايد لعدم الرد على الخطوات الكورية الشمالية.
وأسباب الصين تعود لخوفها من عدم الاستقرار أو تفاقم الصراع في شبه الجزيرة، والرغبة في ضمان عدم وجود كوريا موحدة متحالفة مع الولايات المتحدة، ويبدو ان الصين حذرة من تحويل الدول المجاورة الى دول نووية تكن العداء لاحقا لبكين، وهي خائفة في الوقت عينه من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الى شمال شرق الصين.
على مدى العامين الماضيين فقدت بكين العديد من فرص تحسين علاقتها مع سيول وبيونجيانج، على سبيل المثال ردها على نشر كوريا الجنوبية لنظام ثاد المضاد للصواريخ الباليستية الذي توفره الولايات المتحدة الاميركية.
بيد ان الصين تولي اهتماما وثيقا بالسياسات الامنية في اليابان وكوريا الجنوبية، ولكنها لا ترغب في رؤية الحلفاء الامريكيين وهم يعززون قدراتهم العسكرية او تحالفاتهم الامنية مع الولايات المتحدة.
في الواقع، كانت التغيرات في المزاج الوطني والسياسي في كوريا الجنوبية واليابان -ردا على الاختبارات الكورية الشمالية- متناسقة، حيث تخلى رئيس كوريا الجنوبية على الفور عن تردده السابق ووافق على نشر كافة البطاريات المضادة للصواريخ التي تقدمها الولايات المتحدة في تحد للاعتراضات الصينية والروسية والكورية الشمالية. وسرعان ما حصل الرئيس مون على موافقة الولايات المتحدة على تطوير ونشر الصواريخ البعيدة المدى لضرب جميع أنحاء كوريا الشمالية إذا لزم الأمر. وكان وزير الدفاع في كوريا الجنوبية قد استفاد علنا من فكرة دعوة الاسلحة النووية التكتيكية الامريكية الى كوريا الجنوبية لأول مرة منذ 25 عاما. واظهرت استطلاعات الرأي ان 64 في المائة من الكوريين الجنوبيين يؤيدون تطوير الاسلحة النووية.
وكانت ردود الفعل في اليابان أقل دراماتيكية، ولكنها كبيرة. حيث أعلنت الحكومة اليابانية على الفور زيادة قدرتها على الإنفاق العسكري 1.5 مليار دولار. واقترح الامين العام للحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم اجراء مناقشة وطنية حول ما اذا كان يجب السماح بوجود أسلحة نووية اميركية على الأراضي اليابانية لتحسين الردع. وقد جرت مناقشات عامة متزايدة بشأن اكتساب القدرات الهجومية وتخفيف القيود القانونية المفروضة على استخدام القوة. ومما لاشك فيه أن مراجعة الحكومة اليابانية المستمرة لموقفها الأمني ستتأثر بالاختبارات الكورية الشمالية، ويبدو أن هناك سياسات دفاعية أكثر قوة. وخلافا لما حدث في كوريا الجنوبية، لا تزال معارضة تطوير الأسلحة النووية قوية، حيث يفضل 9 % فقط وجود قوة نووية يابانية، ولكن هذه المسألة قد نوقشت بشكل عام أكثر مما كانت عليه في الماضي. وكان رئيس الوزراء آبي على اتصال مع الرئيس ترامب لاستكشاف سبل تشديد العقوبات على كوريا الشمالية وتعزيز الدفاعات اليابانية.
هذه التطورات حازت على اهتمام المعنيين في بكين. حيث تدرك الصين أن كوريا الجنوبية واليابان لن تقفا مكتوفتين في وجه الاستفزازات الكورية الشمالية. في الماضي، اتجهت إلى كلي البلدين، وكذلك كوريا الشمالية، لمحاولة الحفاظ على الوضع الراهن، على سبيل المثال فرض عقوبات من جانب واحد على كوريا الجنوبية لمنعها من نشر منظومة ثاد في الوقت الذي دعمت فيه قرارات مجلس الأمن الدولي التي تفرض عقوبات متواضعة على كوريا الشمالية . لكن هذه المرة، كانت الصين تميل بشكل واضح ضد كوريا الشمالية.
وأيدت أقوى قرار لمجلس الأمن الدولي على الإطلاق والذى يفتح لأول مرة الباب أمام القيود المفروضة على تصدير النفط الخام إلى كوريا الشمالية وهو الموقف الذى عارضته بكين وموسكو بشدة في الماضي. كما امرت بكين بنوكها الرئيسية برفض فتح حسابات جديدة في كوريا الشمالية، لافتة الى تمويل التجارة. وكانت إدارة أوباما قد خرقت في وقت سابق فكرة أن العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية لا يمكن ربطها إلا ببرامجها الخاصة بأسلحة الدمار الشامل. وقد ساعدت إدارة ترامب، بدعم من بقية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على توسيع هذا الخرق الذي بدأ فيه أوباما. وهناك ما يدعو إلى الأمل في أن تبنى العقوبات المقبلة على كوريا الشمالية على هذه الفتحات من أجل فرض حظر أكثر شمولا.
التغيير في الوضع الأمني لجيرانها يعتبر عاملا مهما للصين. أجرت كوريا الشمالية أحدث تجاربها النووية، التي تم الإعلان عنها كقنبلة هيدروجينية، في الوقت الذي استضاف فيه شي جين بينغ المؤتمر الذي طال انتظاره لبلدان البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) في شيامن. وكان الصينيون غاضبين، ليس فقط من الاختبار، ولكن من التوقيت. وقال خبراء صينيون ان هذا يمثل تحديا اساسيا لبكين، وان السياسة الصينية لن تبقى كما كانت. ومن الواضح أن هناك نقاشا حيويا حول سياسة كوريا الشمالية مع الحكومة الصينية، وقد دعت مقالات بارزة في تشو فنغ وجيا تشينغ إلى إعادة التفكير الكامل والابتعاد عن بيونغ يانغ. هذه هي خلفية التحول الصيني في مجلس الامن الدولي.
وتستحق إدارة ترامب بعض الفضل في المساعدة على تنظيم هذا التحول مع الصين، على الرغم من أن الأسباب هي إقليمية إلى حد كبير. وقد ساعد كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون والسفيرة الاميركية في الامم المتحدة نيكي هالي في تحقيق هذه النتيجة. العلاقات الشخصية للرئيس ترامب مع شي جين بينغ وأبي تحركت في اتجاه إيجابي. غير أن السفيرة هالي تحتاج إلى تفادي التهديدات العامة التي تبدو جيدة محليا ولكن تفتقر إلى المصداقية.
العمل الجيد الذي يقوم به هؤلاء المسؤولون يتعرض دائما للخطر بسبب التصريحات المدمرة للرئيس ترامب. فكان تهديده الغامض المذهل لإنهاء اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في ذروة التوترات في شبه الجزيرة الكورية مدمرا على العلاقات الاميركية- الكورية الجنوبية، ما دفع الرئيس مون لعقد اجتماع رفيع المستوى مع فلاديمير بوتين لفرض المزيد من العقوبات، وحظر النفط، وضبط التهديدات الأمريكية ضد الشمال. وكان رد فعل الجماهير والمسؤولين في كوريا الجنوبية على تحذيرات ترامب بشأن اتفاقية التجارة الحرة معاديا، في وقت كان الطرفان بحاجة لإظهار التضامن والتحالف.
وضاعف ترامب الضرر من التهديد بتوجيه ضربة استباقية. وإذا كانت عواصم العالم تفسر تهديدات ترامب على أنها تعني أن الولايات المتحدة أكثر عرضة للشروع في نزاع مع كوريا الشمالية، يمكن للجهود الدبلوماسية الدولية أن تتحول بعيدا عن تهديد كوريا الشمالية باحتواء واشنطن.
وهناك المزيد من الخطوات التي يمكن ان تتخذها واشنطن وبكين وسيول وطوكيو والتي من شأنها ان تزيد عزلة بيونج يانج. ومن شأن الإجراءات الرامية إلى الحد من التوترات التي طال أمدها بين سيول وطوكيو، مثل قبول كوريا الجنوبية وتنفيذ اتفاق العام 2015 الذي تم التفاوض عليه لتسوية مسألة تعويضات الحرب العالمية الثانية أن تكون مفيدة. ويجب عقد قمة ثلاثية مع آبي لتحسين فرص العمل المنسق ضد بيونغ يانغ. استعداد الصين لمناقشة قدرات ثاد مع الولايات المتحدة توفر ضمانات ردع للصين، يلي ذلك رفع العقوبات الصينية ضد كوريا الجنوبية، وهذا سيكون تطورا بارزا للغاية.
ويبدو ان الرئيس ترامب سيزور بكين وسيول وطوكيو في نوفمبر. وستتيح هذه الرحلة فرصة لإحراز تقدم بارز في مسار الحل الدبلوماسي وتشكيل سياسة دولية موحدة تجاه كوريا الشمالية. وفي الوقت نفسه، فإن نقص الانضباط لدى ترامب والفشل الواضح في فهم عواقب تصريحاته ينطوي على خطر النتائج التي تشوش هذه الإنجازات والأهداف السياسية. وستكون الرحلة اختبارا لقدرة رئيس موظفي البيت الأبيض الجنرال جون كيلي ومستشاره للأمن القومي الجنرال ماكمستر ووزير الخارجية ريكس تيلرسون على المضي قدما في وضع استراتيجية فعالة دون أن يدمرها رئيسهم.
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان