مقالات مختارة

التسوية الرئاسية: الجميع رابحون… ولكن: نقولا ناصيف

 

اعادت التسوية الرئاسية، في قصر بعبدا الخميس ثم في السرايا الحكومية في الغداة، وقبلهما في كواليس الرؤساء الثلاثة، وضع قانون الضرائب على سكة التنفيذ، على ان يليه قانون الموازنة. اما قانون قطع الحساب، فبات خارج اي حساب

الى الآن، لا ملامح نهائية للقانون الجديد المعجل للضرائب في انتظار ان يدعى مجلس النواب الى مناقشته واقراره. على ان التسوية الرئاسية، بشقي مجلس الوزراء في بعبدا اولاً ثم في السرايا، حددت تحت مسمى «التوافقية» آلية مقاربة المرحلة المقبلة في التعامل مع المسألة المالية الشائكة: تسديد سلسلة الرتب والرواتب للمستفيدين منها، وضع قانون معجل للضرائب يتولى تمويل السلسلة هو نفسه القانون الذي أبطله المجلس الدستوري معدلاً، اقرار موازنة 2017، وعد بانجاز قطع حساب السنة المالية 2015 بين ستة اشهر وسنة توطئة لاقراره.

تسوية مثالية على الورق تجعل الافرقاء المعنيين جميعاً رابحين، دونما حاجتهم الى الاحتكام الى الدستور حتى.

على ان التسوية الرئاسية هذه افضت الى بضعة معطيات:

1 ــــ تجاوز خلاف الرئيسين ميشال عون ونبيه بري على المادة 87 من الدستور. الاول قال بتعليقها سنة، والثاني رفضه. رمى تعليق المادة 87 التي لم يطرأ عليها تعديل منذ عام 1927، السنة التالية لوضع الدستور اللبناني، الى تخلّص مجلسي الوزراء والنواب من الشرط الملزم، وهو اقرار قانون قطع الحساب قبل التصويت على قانون الموازنة العامة ونشرها.

تعهّد وزير المال قطع حساب مؤجل يعلّق المادة 87 بقانون

ومع ان تعليق المادة 87 لم يحصل، الا ان مجرد الخوض فيه توخى، خصوصاً، تعطيل احدى الصلاحيات الدستورية الجوهرية المنوطة بمجلس النواب، وهي مراقبة الحكومة ومحاسبتها في المسألة المالية كما في سواها، والاطلاع من خلال قطع الحساب على طريقة انفاقها وتحصيل الواردات، والتحقق من التزامها الاصول القانونية المرعية في الموازنة. الا ان اخراج التسوية الرئاسية على نحو يتيح التصويت على الموازنة دونما ان يسبقه اقرار قطع الحساب، آل في الحصيلة الى النتيجة نفسها: تجميد صلاحية الرقابة المالية للبرلمان على السلطة الاجرائية.

2 ــــ لم ينكر المجلس الدستوري على مجلس النواب حق التشريع الضريبي، بيد انه اكد ان ليس للحكومة جباية اي ضريبة خارج الموازنة العامة. وهو الدور الذي يضطلع به مجلس النواب عند مناقشة مشروع الموازنة، اذ يجيز لها جباية الضرائب وانفاقها. وهي اجازة سنوية، تتجدد في كل مرة تمثل الحكومة امامه للتصويت على الموازنة. لكن الحكومة اهملت الشق الرئيسي في المشكلة، وهو عدم وجود موازنة قانونية صار الى التصويت عليها، بأن فصلت قانون الضرائب عنها. ومقدار ما اصاب القائلون بأن للمجلس النيابي تشريع الضرائب في اي وقت وفي اي باب ــــ وهو ما قاله ايضاً قرار المجلس الدستوري ــــ الا ان المشكلة كمنت في التقدم من البرلمان بقانون ضرائب بلا قانون موازنة يتولى صلاحية جبايتها.

الواقع ان ما ابرزه قرار المجلس الدستوري هو ان الحكومات المتعاقبة منذ عام 2006 ــــ خلافاً للقانون ــــ كانت تجبي الضرائب وتنفقها من دون ان تكون لديها موازنة عامة. ما انتهت اليه التسوية الرئاسية الابقاء على المخالفة القانونية نفسها: جباية الضرائب دونما اقرار الموازنة. حتى الآن على الاقل.

3 ــــ كمنت الخلفية السياسية وعامل الشكوك بين الرؤساء الثلاثة في صلب تصاعد وتيرة خلافاتهم حيال مقاربة قانوني سلسلة الرتب والرواتب والضرائب، قبل ان يبطل المجلس الدستوري القانون الثاني وبعده. اطلق رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء اشارات تحفظ عن اقرار السلسلة والضرائب في معزل عن الموازنة، في وقت استعجل رئيس مجلس النواب اقرار السلسلة، وتمسك رئيس الحكومة بالتصويت على ضرائب جديدة تموّل السلسلة بمعزل عن الموازنة. في المقابل فإن النواب العشرة، موقّعي مراجعة ابطال قانون الضرائب، ليسوا محسوبين على اي من الرؤساء الثلاثة. هم اما ممن لم ينتخبوا عون رئيساً، او خصوم له، او يجمعهم برئيسي البرلمان والحكومة ود مفقود، كنواب حزب الكتائب ودوري شمعون وسليم كرم وخالد الضاهر وفؤاد السعد وبطرس حرب، في اشارة رمت الى دحض اي تأثير لرئيس الجمهورية في الوصول الى قرار الابطال.

ما بين صدور قرار المجلس الدستوري في 22 ايلول، والتسوية الرئاسية في قصر بعبدا في 28 منه، ومن ثم الافصاح عنها من السرايا في الغداة، تلاحقت اتصالات شتى بغية اعادة لمّ شمل الرؤساء الثلاثة، لم يكن حزب الله وامينه العام السيد حسن نصرالله بعيداً منها، لتقريب التباعد في ما بينهم بالاتفاق على استعجال اقرار الموازنة والبحث عن مخرج يبت قطع الحساب. طُرح على الاثر مجدداً اقتراح وزير العدل سليم جريصاتي تعليق المادة 87 لتفادي المرور الملزم بقطع الحساب قبل التصويت على الموازنة، على ان يكون التعليق لسنة، يجري تبعاً للاصول المنصوص عليها في الدستور، فرفض بري. الى ان افضت الاقتراحات المتنقلة بين الرئاسات الثلاث الى اتفاق يقضي بايراد بند في مشروع الموازنة مؤداه تعهّد وزير المال علي حسن خليل انجاز قطع حساب 2015 في مهلة تترجح ما بين ستة اشهر وسنة. تحفّظ الرئيس عن الاقتراح بداية، ثم وافق ودافع عنه بدعوى استعجال اقرار الموازنة وحقوق المستفيدين في سلسلة الرتب والرواتب وصولاً الى الحاجة الى تمويلها تحت شعار ظروف استثنائية تمر فيها البلاد.

4 ــــ مع انه المخرج الذي لم تستعن به التسوية الرئاسية، الا ان تعديل المادة 87 تبعاً للاصول المنصوص عليها في الدستور كان من شأنه تجنيب قانون الموازنة اي إبطال. ليس للمجلس الدستوري ان ينظر في تعديل مجلس النواب الدستور، ولا يدخل هذا الاختصاص في صلاحياته التي تقتصر على النظر في دستورية القوانين والطعون الانتخابية. تالياً للبرلمان حق مطلق في تعديل الدستور تبعاً للاصول المنصوص عليها دونما تعريض اي قرار كهذا، سواء تعليق مادة دستورية او تعديلها، لاي طعن.

في المقابل يفضي اقتراح تعهد وزير المال انجاز قطع الحساب خلال اشهر الى تعليق ضمني للمادة 87 بغية تسهيل التصويت على الموازنة. الا ان ذلك يشير الى ما هو افدح: تعليق المادة 87 الذي يوازي تعديلها، لكن بقانون خلافاً للاصول المتبعة في تعديل الدستور وابرزها النصاب الموصوف. ما يجعلها تبعاً لذلك عرضة للابطال امام المجلس الدستوري.

في اقل من سنة في عمره، لم يسبق لعهد ان خلّف وراءه هذا الكمّ من السوابق الدستورية والقانونية في مدة قياسية كهذه.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى