تقارير ووثائق

تداعيات قرار ترامب الانسحاب من “كوروس”: ريتشارد كاتس

 

واجه النظام السياسي الأميركي اختبارا صعبا في الأسبوع الأول من أيلول / سبتمبر عندما اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من اتفاقية التبادل الحر بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة (كوروس). واضطر ترامب إلى التراجع بعد الإدانة شبه العالمية، من خبراء التجارة الخارجية والسياسة الخارجية، وغرفة التجارة وغيرها من لوبيات الأعمال، والقادة الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس، والمحافظين.

تراجع ترامب عن قراراه – على الأقل الآن. والخبر السار، هو أن النظام الأميركي لا يزال قادرا على تقييد الرئيس، والأخبار السيئة هي أنه، كما يخشى بعض الخبراء، فإن خطة انسحاب كوروس يمكن أن تعود الى الأضواء في أي وقت.

هذا الخوف قد يكون ايجابيا، نظرا لأن ترامب كان ينوي الانسحاب من كوروس وفقا لما ذكرته مصادرنا في واشنطن. في 30 حزيران / يونيو، زار رئيس كوريا الجنوبية ترامب في واشنطن. وركز جدول الأعمال مسبقا على التهديد الذي تشكله كوريا الشمالية، وامكانية نشر منظومات الدفاع الصاروخي من طراز ثاد في كوريا الجنوبية، اما إعادة التفاوض على كوروس لم تكن ضمن جدول الأعمال.

ومع ذلك، وفي خطوة غير عادية، خرج ترامب عن جدول الأعمال بعد وقت قصير من المناقشة، وقال للرئيس الكوري أن البلدين سوف تعيدان التفاوض على كورس على الفور. ولكن ذلك لم يمنع ترامب من الإعلان من جانب واحد في بأن إعادة التفاوض على “كوروس” ستبدأ قريبا. حافظ الرئيس الكوري على صمته الدبلوماسي ثم في اليوم التالي، قال للصحفيين في كوريا الجنوبية أنه لم يكن هناك مثل هذا الاتفاق. وبعد إسبوعين وفي 13 يوليو، أرسل الممثل التجاري الأميركي “روبرت لايتزر” رسالة إلى سيول يطلب منها تحديد جلسة خاصة للجنة المشتركة “لكوروس” لمناقشة “التعديلات الممكنة.

وفي اجتماع 22 أغسطس، طالبت الولايات المتحدة كوريا الجنوبية بتنفيذ جميع التخفيضات المخطط لها في التعريفات الزراعية مباشرة بدلا من المواعيد المحددة في “كوروس” وفى الوقت نفسه، اصرت على السماح للولايات المتحدة بتأجيل دفع التعريفة الخاصة بها في التواريخ المحددة في كوروس. ولم تقدم واشنطن شيئا في المقابل. ورفضت سيول، شأنها شأن أي بلد.

وردا على ذلك، قرر ترامب الانسحاب من كوروس. وبعد أسبوع، في 28 أغسطس، وقبل ساعات فقط من إطلاق كوريا الشمالية صاروخا على الفضاء الجوي الياباني، قدم مساعد ترامب خطة الانسحاب في اجتماع لوزراء الخزانة ولكبار المسؤولين في الادارة. وقال أحد الحضور لمصادرنا أن المسألة تم صياغتها كمسألة الولاء الشخصي لترامب. وكان من شأن المعارضة أن تكون شديدة ومحرجة لمن يريد الاحتفاظ بعمله.

وقد رفض البعض الحضور الى الجلسة، بينما آخرين قدموا اعتراضاتهم للرئيس ترامب على انفراد. ومن بين هؤلاء كان رئيس اركان ترامب، ومستشاره لشؤون الأمن القومي، ووزير دفاعه. وهم كانوا على يقين من ان ذلك من شأنه أن يمزق العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا ويشجع كيم على الاعتقاد بأن التكتيكات العدوانية يمكن أن تقسم التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، فضلا عن التحالف الاميركي- الياباني. ونذكر ان المزارعين الأمريكيين، هم المستفيدين الرئيسيين من كوروس.

ومع ذلك، واصل ترامب الحديث علنا ​​عن الانسحاب، على الرغم من الصواريخ التي اطلقت على اليابان و حتى بعد اختبار كوريا الشمالية للقنبلة الهيدروجينية المزعومة. واستغرق الأمر ثلاثة أيام غير عادية لتعبئة الجماعات الاقتصادية والأمنية الأميركية والأفراد لتثبيت موقف ترامب. ولم يدل البيت الأبيض بأي تصريحات، وجاءت الأخبار من خلال التسريبات الصحفية والإحاطات الخاصة من قبل قادة الكونجرس.

لماذا يريد ترامب تفجير “كوروس”؟

قال عاملون في الإدارة لمصادرنا انها مجرد تكتيكات للمساومة مع سيول، بينما البعض الاخر قال إن ترامب كان يحاول بعث رسالة إلى كندا والمكسيك يقول فيها إنه قد ينسحب من نافتا ايضا. ولكن ترامب فقد الكثير من قاعدته، فهو لم يستطع الغاء الـ”أوباماكير”، هو لم يتمكن من تمويل جدار الحدود المقترح مع المكسيك، ولم يفعل شي بموضوع الهجرة.

في الواقع، ترامب تحدث لأول مرة إلى مساعديه حول الانسحاب من نافتا، ومع ذلك، نصح بيتر نافارو، رئيس مجلس التجارة الوطني المتشدد ترامب بأن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تضر الشركات والعمال في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن تدمير اتفاقية “كوروس” قد توفر بعض الارتياح لترامب وبعض ذوي الياقات الزرقاء، ولكن لن تفعل شيئا تقريبا لمستويات المعيشة في الولايات المتحدة، فحتى لو اراد ترامب ذلك وتخلى عن تلك الاتفاقية فالشعب الاميركي سيخسر الكثير، وسيعود حجم العجز الى سابق عهده. والواقع أن ترامب ليس بامكانه السيطرة على حجم العجز، مع أو بدون كوروس. أوهام البيت الأبيض حول هذا الأمر تنبع من الاعتماد على ارقام مضللة. على سبيل المثال، كتب لايتزر في رسالته إلى سيول أنه “منذ دخول اتفاقية كوريا حيز التنفيذ [في العام 2012]، وتجارتنا تضاعف عجزها من 13.2 مليار دولار إلى 27.6 مليار دولار، في حين أن صادرات السلع الأمريكية تراجعت إلى الاسفل. وهذا يختلف تماما عما روجت له الإدارة السابقة للولايات المتحدة عندما حثت على الموافقة على هذا الاتفاق .

نعم، انخفضت واردات السلع الكورية الجنوبية من الولايات المتحدة ثلاثة في المئة بين عامي 2011 و 2016، ولكن هذا ليس بسبب “كوروس”. يرجع ذلك في الغالب إلى تباطؤ النمو في كوريا. في الواقع، خلال نفس الفترة، انخفضت واردات كوريا في بقية العالم بنسبة 24 % – أي ثمانية أضعاف. ونعم، تضاعف الفائض التجاري لكوريا الجنوبية منذ العام 2011، ولكن، خلال الفترة نفسها، تضاعف فائض تجارتها مع بقية العالم ثلاث مرات. مايرون بريليانت، نائب الرئيس التنفيذي للغرفة الأمريكية التجارة، كتب، “بدون كوروس، صادرات الولايات المتحدة من المنتجات الزراعية والمصنعة، وكذلك الخدمات، ستنخفض بشكل كبير “.

وقد أكد مكتب الممثل التجاري الأمريكي أنه في العام 2016، العجز التجاري وصل لـ90 % ولكن بما خص سيارات الركاب وقطع غيار السيارات. و كما يقول، هذا يثبت ان كوريا الجنوبيةمغلقة” على سلع السيارات الأمريكية. فالواردات الأمريكية للسيارات الكورية الجنوبية وقطع الغيار تضاعف خلال الـ 2011-16. السبب لا يكمن في كوروس ولكن في انفجار مبيعات السيارات في الولايات المتحدة من 13 مليون وحدة في العام 2011 إلى رقم 18 مليون في العام 2016.

وفي الوقت نفسه، منذ دخلت كورس حيز التنفيذ، صادرات السيارات الأمريكية إلى كوريا الجنوبية تضاعفت. في الواقع، ارتفعت واردات السيارات العالمية الكورية من 0.4٪ فقط من مبيعات السيارات في العام 2000 إلى ثمانية في المئة العام 2011 قبل أن تدخل كوريا حيز التنفيذ، إلى 15 % في العام 2016. المشكلة هي أن الولايات المتحدة، لديها حصة من واردات السيارات الكورية الجنوبية التي لا تزال مجرد ثمانية في المئة، نفس الحصة منذ العام 2011. وهذا يقارن بـ 15 % لليابان و 76 % لأوروبا (الاتحاد الأوروبي أيضا لديه اتفاقية تجارة حرة مع كوريا الجنوبية).

ترامب لديه بديل. خلال الفترة من يناير الى يوليو من هذا العام انخفض العجز التجاري الامريكي مع كوريا بنسبة 30 % عن العام 2016، وقد يظهر العجز انخفاضا أكبر.

لحسن الحظ، لا يتطابق نباح ترامب مع افعاله.. ومن المؤكد أنه سوف يتراجع…

العودة عن محاولة الانسحاب من كوروس ممكنة جدا، نظام الولايات المتحدة اجتاز الاختبار حتى الآن، ولكن المزيد من المحاكمات قد تتواجد في الأفق.

ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد- ناديا حمدان

https://www.foreignaffairs.com/articles/2017-09-15/trump-retreats-korean-trade

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى