تقصيرات محورنا الفاقعة
غالب قنديل
أتيح لي خلال السنوات الماضية ان أشارك باسم المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في لبنان بالعديد من اللقاءات والمؤتمرات الدولية والمتوسطية الخاصة بالمرجعيات الناظمة للإعلام وقد شكل التهديد الإرهابي التكفيري للبنان ومعه الحدث السوري مادة رئيسية حاضرة في كلماتي ومداخلاتي انطلاقا من التضليل الإعلامي الذي يشكل خرقا خطيرا للقواعد المهنية والقانونية التي تحكم العملية الإعلامية نظريا.
قوبلت كلماتي غالبا بالدهشة والتعجب كلما عرضت وقائع وحقائق عن كون ما يجري في سورية عدوانا تحركه قوى الهيمنة العالمية بقيادة الولايات المتحدة وليس ثورة شعبية كما تزعم الرواية الإعلامية الكاذبة وخصوصا عندما أبرزت مبكرا في بعض المناسبات كالمؤتمر الفرانكفوني الذي عقد في أبيدجان قبل ثلاث سنوات كيف ان من وصفوا بالثوار لم يكونوا غير داعش والقاعدة مذكرا بما جرى في أفغانستان مع من سماهم الرئيس الأسبق رونالد ريغان بفرسان الحرية ولم يكونوا سوى ما عرف لاحقا بالقاعدة.
يومها كانت المؤشرات تنبيء ببداية تحول في اجواء المرجعيات الناظمة وتم تبني توصية اقترحتها بالتشدد في تدقيق مصادر الأخبار والمعلومات والمحاسبة على التضليل الإعلامي وكان الأكثر تجاوبا مع الاقتراح مرجعيات الدول الإفريقية التي طرق التكفيريون أبوابها “بوكو حرام و داعش” وفي جعبة فرنسا والولايات المتحدة بالمناسبة خطط حروب وتقسيم ونفط.
سألت دائما المرجعيات الناظمة عن مسؤولياتها في منع التضليل ومقاومة حجب الحقائق التي تقول في سورية ان الشعب والدولة والجيش يكافحون من اجل حماية الاستقلال والقضاء على وحش الإرهاب وحماية التجانس الوطني والتعدد الديني الذي استهدف بالمذابح وبتدمير اماكن العبادة والحض على الكراهية والإلغاء.
في ورشة العمل التي نظمناها مؤخرا في بيروت بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وزملائنا في المرجعية الناظمة الإيطالية التي شارك منها وفد من أربعة خبراء وعلى الهامش دار الحديث عن سورية استكمالا لنقاشات سابقة رافقت لقاءتنا في روما وبيروت خلال السنوات الأخيرة.
السؤال المتكرر عن زياراتي الدائمة لدمشق هو نفسه والجواب الذي أرد به هو ان دمشق تعيش أيام صمود وتسهر محتفلة بالحياة وهذه المرة كانت في جعبتي اخبار وصور كثيرة وقد اندهش الأصدقاء الايطاليون حين اخبرناهم ان كل شيء بات طبيعيا في العاصمة السورية بل اكثر من ذلك تضاعفت علامات الدهشة والتعجب عندما قلنا لهم إن وفدا برلمانيا إيطاليا كان عند الرئيس بشار الأسد قبل أيام .
صاح احد الضيوف عاليا وباستهجان: تبا للإعلام واكاذيبه ! ثم خاطبني قائلا : الان أفهم بدقة معنى مداخلاتك المتكررة عن التضليل الإعلامي إنهم لا يخبروننا الحقائق ومن الضروري ان أشير لكون المتحدث خبيرا إعلاميا متابعا وليس غائبا عن الإعلام التقليدي او الإلكتروني ويومياته بحكم وظيفته ومسؤولياته.
الحقيقة السورية تعري وتفضح التضليل الإعلامي وهي حقيقة دامغة وقوية كحقيقة مقاومتنا للعدوان الاستعماري ولوحوش التكفير أيضا لكنها لا تصل كما ينبغي لأننا لا نسعى لإيصالها بالصورة المناسبة والمقنعة في مخاطبة الراي العام في الخارج بلغته وبمضمون ثقافته وبما يراعي قيمه الأخلاقية والحضارية.
ليس صحيحا ان نوصف التضليل الإعلامي وحجم ما يحشد له من الإمكانات والقدرات ثم نقف متفرجين من غير مبادرة واحدة فالأمر متاح بإمكانات أقل بكثير من المطلوب لإطلاق سلسلة قنوات فضائية بمختلف لغات الأرض مع انتشار الأنترنت ومواقع التواصل او ما يعرف بالإعلام الجديد.
طبعا اكتب هذا المقال الذي سينشر على موقع إلكتروني يوزع اكثر من عشرة آلاف رسالة بريدية يوميا وقد لا يستطيع الاستمرار وهو كان يصدر نشرتين أسبوعيتين بالفرنسية والإنكليزية توقفتا بعدما كانتا توزعان دوريا على اكثر من ثمانية آلاف عنوان إلكتروني لكتاب وصحافيين وخبراء ودبلوماسيين وقادة رأي وبرلمانيين في العالمين الفرانكوفوني والأنكلوساكسوني ونقلت عنهما مقالات وتقاريرا ومعلومات في عشرات المواقع في فرنسا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة وغيرها وطبعا سبب التوقف معلوم بفعل تراكم الديون والعجز الذي نعيشه باستمرار لأن هذا النشاط الإعلامي ليس على لائحة اولويات أي كان من محورنا العزيز بينما نشهد بعثرة إمكانات كثيرة في غير محلها وفي اماكن أقل جدوى.
شخصيا اكافح مع من تبقى من أسرة موقعي الإعلامي الإلكتروني للبقاء حافظا جميل كل من يساندني بأي حجم كان واتناسى طموحات التطوير الممكن ولن أستجدي احدا فانا ضد التسول ولن أهدر كرامتي من اجل رسالة إعلامية جوهرها الكرامة ولا أعتبر ان على أي كان واجب اتجاهي مقابل موقف هو خياري الأصيل منذ أربعين عاما واكثر وانا بكل فخر وعلى الدوام شريك الغرم لأهل المقاومة استهدفت وحوربت وقاومت بضراوة وبسالة ولم أبحث يوما عن المغانم.