مناورة المأزق المقيم
غالب قنديل
احاط العدو الصهيوني المناورات العسكرية المديدة التي اجرتها قواته بهالة ودعاية إعلامية كبيرين والغاية هي الإيحاء بعروض القوة وممارسة الردع المعنوي في مجابهة المقاومة التي لا يمر يوم من غير ان تحمل الصحف العبرية تقريرا جديدا عن تعاظم قوتها وقدراتها على العكس تماما مما كانت تردده قبل أشهر قليلة عن “دفن حزب الله في المستنقع السوري”.
كشفت المناورات الأخيرة عن وجود مرض عضال في الكيان الصهيوني غير قابل للمعالجة حتى الآن منذ تقرير فينوغراد وتلك هي الخلاصة العملية التي تقود إليها ملاحظات على المناورة ووقائع روتها تقارير صحافية وإخبارية عن المجريات والتفاعلات.
طبعا من المفيد التذكير بان المناورات المتكررة في أعقاب حرب تموز لم تفلح في معالجة ما اعتبره فينوغراد ثغرات خطيرة في الجبهة الداخلية لكيان العدو وفي حين كشف الكاتب والمحلل العسكري أليكس فيشمان استمرار ثغرات خطيرة في مشاكل الانضباط وتنفيذ الأوامر ألقى الضوء على خلل طبقي خطير داخل جيش العدو في حصيلة مقال قيم خصصه لنقد المناورات الأخيرة وهي عيوب تكوينية سبق ان شغلت الحيز الأهم في تقرير لجنة فينوغراد عن حرب تموز 2006.
كشف فيشمان عن عصيان الأوامر القيادية بحظر استخدام الهواتف الخلوية او حملها خلال المناورات لكونها تمثل خرقا امنيا خطيرا يتيح لحزب الله الحصول على معلومات وذكر في مقالته ان عدم الالتزام بهذه التعليمات كان كبيرا وواسعا اما الملاحظة الثانية فكانت عن إصرار الضباط على استخدام سياراتهم المكيفة خلال المناورات وعدم تنفيذ الأمر العسكري القاضي بالتواجد مع الجنود في العربات العسكرية بذريعة ان الظرف مختلف عن زمن القتال ولا يعدو كونه مناورة وحرارة الطقس مرتفعة بينما نقل فيشمان عن جهات قيادية تبرير عدم الالتزام باعتبار اوامر المناورة التدريبية غير ملزمة بصرامة الأوامر في زمن الحرب.
الظاهرتان تكشفان عيوبا تكوينية في جيش العدو وتدلان على استمرار الفشل في معالجة واحتواء أسباب الهزيمة الصهيونية في تموز وبالمقابل لا بد من المقارنة مع اداء المقاومة والجيش العربي السوري خلال الفترة نفسها أي في معارك البادية ودير الزور والجرود وخصوصا مع ظهور صور الضباط والمسؤولين من كبار القادة وقد غطت وجوههم الاتربة والرمال وقاتلوا مع جنودهم أسابيعا وشهورا في أصعب الظروف وفي طقس تخطت حرارته الخمسين درجة حيث كان العسكريون يضطرون إلى صنع واقيات من القماش لاستخدام رشاشاتهم في عين الشمس وهذه المشاهد كانت بالقوة عينها في اعالي القمم الجبلية وثلوجها خلال فصل الشتاء حيث قاتل الجيش العربي السوري وحزب الله معا وحققا إنجازات كبيرة.
الخطورة التي يثيرها مقال فيشمان ويجسمها هي ما اصطلح تقرير فينوغراد على تسميته باختلال منظومة القيادة والسيطرة وفعليا غياب القضية وانتفاء الحافز الثقافي للقتال والتضحية وللأمر صلة بواقع الكيان الصهيوني الاجتماعي والسياسي وهو ما لا يعالج بأمر تنفيذي مهما كان مستواه والدليل انها علة مستمرة ومستدامة جذرها تكويني وليس طارئا.
استطاع حزب الله ان يولد الحوافز المعنوية لمقاتليه وان يصقل كفاءاتهم وصلابتهم بحرارة القضية العادلة واستعاد الجيش العربي السوري ألقه التعبوي بالحافز الوطني والقومي مجددا ومن غير هذه الشروط المعنوية يستحيل ان يمتلك المقاتلون طاقة على التحمل والتكيف أيا كان حجم الإمكانات المتوافرة لهم ناهيك عن اهمية التحام القادة والجنود وإحساس العسكري العادي بان القائد يسبقه إلى التضحية في الميدان ولا يتحصن برتبته من اجل التمتع برفاهية الامتيازات.
مقابل الجيش الصهيوني الذي يراوح في متاعبه ومشكلاته التكوينية وحدات عربية مقاتلة متفوقة عمليا واخلاقيا ومعنويا وعلى صعيد التنظيم والانضباط وسيكون عليها الحفاظ على هذه المزايا وتطويرها خلال الفترة المقبلة لتؤسس تعديلا تاريخيا في ميزان القوى خصوصا وقد شاركتها في المعمودية بالتزامن وحدات الحشد الشعبي العراقي التي يصرح القادة الصهاينة انها ستكون على الأرجح في خطوط القتال على الجبهة الممتدة من المثلث الأردني السوري إلى رأس الناقورة اللبناني إذا ما اندلعت حرب صهيونية ضد سورية ولبنان .