مقالات مختارة

بعد سوتشي: أهمية صداقة الكرملين: ابراهام بن تسفي

 

الكثير من المياه تدفقت في نهر البولغا منذ صعدت القوة العظمى السوفياتية واسرائيل الى مسار من الصداقة الواعدة. ولكن حين كانت الدولة شابة، كان شهر العسل قصيرا. قرار حاكمها المحبوب اللاسامي للامبراطورية السوفياتية، جوزيف ستالين، بالاعدام قبل 65 سنة لعظماء الكتاب والشعراء اليهود في الاتحاد السوفياتي، بمن فيهم بيرتس ماركيش، دافيد برغلسون وايزيك بابر، كان القشة الاخيرة التي اقنعت رئيس الوزراء الاول، دافيد بن غوريون، بانه محاولة اقامة الجسر نحو الشرق مآلها الفشل .

مر ما لا يقل من أربعة عقود على السلوك السوفياتي المعادي والكدي تجاه اسرائيل الى أن بدأ الثلج يذوب. هكذا تحقق، بعد نهاية الحرب الباردة، عصر جديد ومشارك في أمور كثيرة بين موسكو والقدس، تبلور الى جانب الرفع التدريجي لمستوى التحالف الامريكي – الاسرائيلي. وبالفعل، بعد ان تراجع الواقع ثنائي القطب الى مجال النسيان، نالت اسرائيل هامش مناورة واسع في تصميم سياستها في الساحة العالمية وذلك دون الخوف من رد فعل العم سام. صحيح ان حكومات اسرائيل استغلت نافذة الفرص هذه، ولا سيما بعد صعود فلاديمير بوتين الى الحكم في سنوات الالفين. وهكذا، الى جانب تعاظم “العلاقات الخاصة” مع واشنطن، تبلورت شبكة علاقات تكنولوجية، اقتصادية وأمنية متفرعة مع الكرملين. ضمن امور اخرى، في الوقت الذي واصلت فيه اسرائيل التمتع برزم المساعدات الامنية الامريكية هي نفسها اصبحت موردة لطائرات بلا طيار الى موسكو. ومثلما في العهد اللامع القصير والبعيد أصبحت روسيا مرة اخرى مصدرة النفط الخام الى اسرائيل وذلك كجزء لا يتجزأ من عملية رفع مستوى وتعميق العلاقات بين الدولتين. لا خلاف في أن تذويب الثلوج هذا منح اسرائيل شبكة أمان حيوية، ولا سيما في اوقات البرد والصقيع السياسي من جهة واشنطن (مثلما حدث في اثناء ثماني سنوات براك اوباما في البيت الابيض). ومثل هذه الروح من المصالحة أنشأت ايضا انماط اتصال مباشرة ومجدية بين المسؤولين في موسكو وفي القدس، اتاحت وتتيح التنسيقات العسكرية والتفاهمات التكتيكية حتى في ضوء وجود خلافات استراتيجية (مثلا في مواصلة التواجد العسكري الايراني في سوريا وفي مسألة توريد الاسلحة الروسية المتطورة لطهران).

هذا النمط من الحوار المتواصل – والذي تعبيره الاخير كان في قمة سوتشي يوم الخميس – هو ذو معنى خاص اليوم، على خلفية استمرار مسيرة فك الارتباط الامريكي عن الشرق الاوسط. وبينما تلمح الولايات المتحدة بوضوح عن استعدادها بالتسليم بانتصار بشار الاسد (بعد أن قررت مؤخرا تجميد المساعدات التي تمنحها للثوار)، وبان مراكز اهتمامها توجد بعيدا عن هذه الجبهة، تعمل موسكو بتصميم ومثابرة لاستغلال هذا الفراغ لغرض تثبيت مكانتها كمهيمنة اقليمية.

في هذا السياق، وبالذات في ضوء الدعم الروسي المكثف للاسد وشركائه الاقليميين، تكمن قيمة كبيرة في وجود الانفراج الاسرائيلي – الروسي. والمفتاح لكبح جماح المحور الشيعي، في سوريا وفي المجال كله، يوجد إذن في خزنة بوتين. وعليه فان مدى استعداد حاكم الكرملين لاستخدامه سيكون منوطا لاحقا ايضا بطبيعة وحجم الشراكة الروسية – الاسرائيلية وبنجاعة روافع التأثير الاسرائيلي. وهذا بالطبع، بافتراض ان روسيا اليوم غير معنية للعودة في نفق الزمن الى الاتحاد السوفياتي لعصر الحرب الباردة، على الاقل في كل ما يتعلق بعلاقاتها مع القدس.

إسرائيل اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى