ترامب ولعنة أفغانستان
غالب قنديل
يحكم الجنرالات الأميركيون قبضتهم على السياسة الفعلية للإدارة الأميركية وقد أنجزوا ترويض الرئيس القادم من خارج المؤسسة التقليدية في الحزب الجمهوري وأخضعوه وليس ادل على ذلك من قرار دونالد ترامب إرسال قوات أميركية جديدة إلى أفغانستان وتجميد خطط الانسحاب التي سبق ان اعلنها سلفه باراك أوباما وتراجع عنها في حصيلة فشل استراتيجي عجزت جميع محالات الخروج منه وبالتأكيد ليست المحاولات العاثرة لتخطي الفشل الاستراتيجي وحدها سبب المزيد من التورط في هذا البلد.
أهمية أفغانستان الاستراتيجية يرسمها موقع جغرافي يجعل منها عقدة متصلة بالصين وإيران وروسيا وباكستان والهند أي في قلب آسيا القارة التي تضج بمؤشرات تنامي القوى الصاعدة المنافسة للولايات المتحدة والمتمردة على مشيئتها السياسية وحيث يمكن عمليا توظيف التشابكات القبلية والعرقية العابرة للحدود لتفعيل تشكيلات إرهابية في حروب بالواسطة في هذا المجال الآسيوي الصاخب.
ليس من الفراغ ان يكون إعلان قرار ترامب بإرسال قوات جديدة إلى أفغانستان مترافقا مع تهديد صريح لحكومة باكستان التي تقربت مؤخرا سياسيا واقتصاديا من إيران والصين وتوجيه رسالة شراكة إلى الهند الجارة اللدود لباكستان بهدف خلط الأوراق وتحريك المنافسات الإقليمية على تلبية الرغبات الأميركية.
وفقا للباحث الأميركي ألفريد مكوي مؤلف الكتاب الأهم عن تورط وكالة المخابرات المركزية الأميركية في شبكات التجارة بالمخدرات بلغت تكاليف الحرب الأميركية المتواصلة في أفغانستان منذ عام 2001 أكثر من تريليون دولار وأنفقت الإدارات الأميركية اعتمادات تقدر بمئة مليار دولار تحت عنوان إعادة بناء الدولة الأفغانية في حين ما تزال جماعة طالبان تسيطر على مساحات واسعة من البلاد وتحظى بدعم قبلي لا يستهان به وفي العامين الأخيرين ظهر في المسرح الأفغاني وجود يتنامى لتنظيم داعش المنشق عن شبكة القاعدة إضافة إلى ما تبقى من تركة بن لادن بزعامة الظواهري.
خطة الخروج التي وضعتها إدارة اوباما علقت قبل الانتخابات الرئاسية بذريعة استمرار التهديد الإرهابي وتكرس ذلك قبل أيام بإعلان الرئيس ترامب عن إرسال قوات جديدة إلى أفغانستان في حين يعتقد الخبراء ان هذا القرار سيكون واجهة رسمية لتوجه جديد يخصص القسط الأساسي منه لشركات المرتزقة بناء على اقتراح تقدم به جاريد كوشنر الأوسع نفوذا في بطانة الريس الأميركي وحيث يمكن الزج بآلاف المتعاقدين من جيوش المرتزقة دون ان يعني ذلك تورط البنتاغون مباشرة مع ان التعاقد مع شركات كبلاك ووتر أو سواها سيتم مع وزارة الدفاع ويسدد من الخزانة الأميركية كما جرى ويجري في العراق حتى اليوم.
وحشان مهمان في خطط استنزاف الخصوم ترعاهما الولايات المتحدة في أفغانستان لخدمة حروبها بالوكالة ضد روسيا والصين وإيران وهذا الوحشان هما : جماعات الإرهاب التكفيري بأجيالها الجديدة وتفرعاتها التي تضم القاعدة وطالبان وداعش والمخدرات التي ازدهرت زراعتها وعمليات تصنيعها تحت الاحتلال الأميركي وشكلت موردا خفيا لتمويل الجماعات الإرهابية وامتدت شبكات تهريبها من أفغانستان وباكستان إلى روسيا وإيران والصين وصولا إلى العراق وسورية ولبنان ومنها إلى دول كثيرة وينخرط في تلك الشبكات وفي تقاسم عائداتها جنرالات القوات الأميركية وأعوانهم الأفغان.
منذ العام 2001 توسعت المساحات المزروعة بالأفيون في أفغانستان وارتفعت كمية المحاصيل التي جنت منها طالبان عائدات خيالية وتحت الحماية الأميركية احيانا بينما يقدر حاليا عدد معامل تصنيع المخدرات المعدة للتوزيع نحو آسيا والشرق العربي واوروبا بحوالي مئتين وأربعين معملا تتقاضى الجماعات المسلحة والقوات الأفغانية الحكومية والوحدات الأميركية نفسها حصصا رئيسية من عائداتها لقاء الحماية الأمنية.
إضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لموقع أفغانستان في الصراع العالمي بين الولايات المتحدة ومنافسيها الكبار على الزعامة باتت الولايات المتحدة منذ عقود شريكا رئيسيا في تجارة الأفيون وفي تصديره نحو العالم من أفغانستان وهذا ما يعد من حوافز تعزيز التواجد العسكري الأميركي المباشر وغير المباشر في هذا البلد لدرجة تظهر معها الحكومة الأميركية عالقة في لعنة أفغانية مستمرة مهما تحدث جمهوريوها او ديمقراطيوها عن خيار الخروج من أفغانستان … هذا ما أصاب اوباما وهو ما يصيب دونالد ترامب وفي الخلاصة : ليست حربا ضد الإرهاب بل حرب أفيون بالشراكة مع الإرهابيين ضد القوى العظمى الصاعدة في قلب الشرق.