تراجع البارزاني : حميدي العبدالله
كان واضحاً منذ البداية أنّ مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان لن يكون قادراً على الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه بإجراء استفتاء على الانفصال عن العراق. أسباب تراجع البارزاني كانت قوية إلى درجة أنّ أيّ متابع للشأن العراقي كان يتوقع أن يحدث ذلك، أولاً، لأنّ البارزاني ذهب إلى هذا الخيار هروباً من مأزق مع شركائه في الإقليم، وهو لم يحصل على موافقة ودعم هؤلاء الشركاء لهذا الخيار، والمقصود هنا بالشركاء «حركة التغيير» وحزب جلال الطالباني. وثانياً، غالبية، بل جميع دول الإقليم المحيطة بالمنطقة الكردية يعارضون بقوة خيار الانفصال بمبادرة من طرف واحد، بغداد تعارض، دمشق تعارض، أنقرة تعارض وطهران كذلك، حتى وإنْ كانت دوافع هذه المعارضة مختلفة بالنسبة لكلّ دولة من هذه الدول التي تجاور منطقة إقليم كردستان العراق. ثالثاً، حلفاء البارزاني الغربيون، ربما باستثناء تل أبيب، جميعهم يعارضون خيار الانفصال، وعلى رأس هؤلاء الولايات المتحدة .
واشنطن تعتقد أنّ انفصال شمال العراق يضعف تأثيرها على الحكومة المركزية في بغداد. إضافة إلى ذلك فإنّ الانفصال ووقوفها إلى جانب الدولة الكردية سيقود إلى تصعيد التوتر مع دول حليفة لها، والمقصود هنا تركيا العضو في حلف الناتو. الآن العلاقات الأميركية التركية متوترة بسبب تعاون واشنطن مع أكراد سورية، وإذا ما دعمت الولايات المتحدة أكراد العراق إلى حدّ الانفصال فإنّ ذلك يضيف قضية أخرى خلافية، ومن شأن ذلك أن يربك السياسات الأميركية، وهذا ما لا تريده واشنطن الآن.
أمام كلّ هذه المعطيات كان من الواضح أنّ البارزاني سوف يتراجع عن إجراء الاستفتاء.
مع اقتراب موعد الاستفتاء ظهرت بوادر تشير إلى هذا التراجع تجلت بإرسال البارزاني وفداً كردياً إلى بغداد لبحث قضايا الخلاف، وإشاعة أخبار كاذبة نفاها مكتب رئيس الحكومة العراقية عن قبول الحكومة العراقية تقديم تنازلات مقابل التراجع عن الاستفتاء.
واضح أنّ البارزاني يبحث الآن عن أفضل السبل التي تساعده على التراجع من دون أن يكون لهذا التراجع أثر سلبي عليه، ولكن من الواضح أيضاً أنّ خصومه لن يتركوا له مثل هذه الفرصة، فهو من صعد إلى أعلى الشجرة، وعليه أن ينزل من دون أيّ مساعدة.
في مطلق الأحوال يمكن القول إن السحر انقلب على الساحر، ما كان يتوقعه البارزاني لم يتحقق، بل ما يتحقق هو شيء في غير مصلحته.
(البناء)