ستيف بانون والفراغ الرهيب للقومية المتطرفة: نداف ايال
في نهاية الاسبوع واصل دونالد ترامب برنامجه المتلفز الواقعي الخاص، هذه المرة في خطوة خطيرة للغاية منذ توليه منصبه. فإقالة الاستراتيجي الرئيسي لديه، ستيف بانون، هي خطوة كثيرة المخاطر، اكثر من كل إقالة أو إبعاد كان. فقد وصف بانون بانه «الناشط السياسي الأخطر في أمريكا»، ولكن هذا وصف يفوت النقطة المهمة بالنسبة له: فهو مالك كبير للاعلام. بانون ليس مجرد عقل سياسي بل يملك ايضا «برايتبرت»، الموقع الذي اصبح البيت الفكري لليمين المتطرف والنشطاء المتطرفين من «حفلة الشاي». كما يرتبط بانون ايضا عميقا بالزوجين ميرسل، المتبرعين الاهم على ما يبدو للرئيس الأمريكي .
لا يدور الحديث هنا عن اقالة ناطق او رئيس طاقم؛ هذا هو الرجل الذي كتب لترامب رسالته الاساس.
هذا ليس ترامب الذي قرأ اقتصاديا أمريكيا منذ بداية القرن العشرين وانتزع منه عبارة «الرجال والنساء الأمريكيون المنسيون». ليس ترامب هو من فهم بانه ينبغي جعل كلينتون مجرمة أو انتج شعار «احبسها» الذي انشده الجمهور بفرح في مهرجاناته. لقد جلب ترامب النشر والعطف، ولكن من انتج له الجمهور والرسالة كان بانون.
ولكن بعد الحملة يأتي الواقع. بانون هو الذي اقنع ترامب ان يخرج فورا بالمرسوم الرئاسي الفاشل عن منع دخول المواطنين من دول إسلامية معينة إلى أمريكا. وقد ورط الادارة فورا تقريبا في المحاكم. شيئا من الايديولوجيا البانونية، التي تعنى بـ «القومية الاقتصادية» لم يتحقق حقا ونشأ الانطباع بان بانون لم يعرف على الاطلاق كيف يقود الامور إلى هناك.
لقد كان بانون رجل اعمال كفؤ ورجلا قارئا، متطرفا في ارائه. ولكن ينتهي الامر هناك. من كشف هو المسلم به: الحكم هو حرفة. من هنا جاء التعبير حرفة الحكم. بانون لم يكن خبيرا في هذه الحرفة. اعتقد بان الامور ستسير بسهولة اكبر. «رئاسة ترامب الذي قاتلنا من أجلها ـ انتهت»، قال تقريبا فور اقالته. الحقيقة هي ان هذه الرئاسة، مع سور على حدود المكسيك وحرب تجارية على العالم كله لم تبدأ على الاطلاق.
من خلف شعارات بانون اختبأ الفراغ الرهيب للقومية المتطرفة، المخيبة المثابرة لامال القرنين الاخيرين. فالتفكير بأن منظومة عالمية مفعمة بالعلاقات المتبادلة سيكون ممكنا حقا فيها فجأة تحقيق شعار «أمريكا أولا» الانعزالي كان غريبا إن لم يكن فاشلا. فثراء أمريكا يعتمد بقدر كبير على العولمة التي بنتها هي نفسها.
لقد كان هذا فاشلا مثلما قال ذات مرة بانون لصحافي أمريكي بانه «لينيني» يتطلع إلى «تفكيك الدولة». واللينينية، لمن لا يتذكر هي الايديولوجيا التي تقدس الدولة الشيوعية، وبالتأكيد لا تتطلع لان تجعل لها اعادة بناء.
يعد بانون بمواصلة القتال «من اجل ترامب» من خارج البيت الابيض. مريح له ان يصور الرئيس كطفل مأسور، في ايدي من؟ في ايدي عصبة النيويوركيين، اي اليهود، ايفانكا وجارد كوشنير، وبالطبع المستشار الاقتصادي الكبير كوهن. وهو لم ينتقد ترامب مباشرة في هذه المرحلة، ولكن رويدا رويدا سيحاول سحب البساط من تحت اقدام الرئيس. يتوجه بانون إلى «حرب نووية»، قال احد مقربيه ـ مما يجسد أن الرجل لم ينسَ شيئا ولم يتعلم الكثير من فشله في البيت الابيض.
توجد هنا فرصة بالطبع. رئيس طاقم البيت الابيض الجديد الجنرال كيلي طهر منذ الان رئيس شبكة الاعلام سكارموتشي وطرد الان من طريقه بانون الذي كان قمرا حرا في السماء المتكدرة للبيت الابيض.
إذا واصل هذا التصميم، فلعله ينجح في تكوين طاقم يؤدي مهامه بشكل ما، اقل تسريبا، اكثر ثباتا وجذرية بقليل. بالطبع المشكلة الاساس، قلب الاعصار السلطوي الأمريكي، لن تحل: ترامب سيبقى هو الرئيس، وسيبقى قادرا في نوبة غضب لحظية ان يغير جدول الاعمال القومي والدولي في صالحه، مثلما فعل في المؤتمر الصحافي سيئ الصيت والسمعة في الاسبوع الماضي. لقد نجح كيلي في التغلب على بانون ولكن التحدي الحقيقي هو الرئيس الاكبر. ومثلما كتب هنا في الاسبوع الماضي، هذا ليس تحديا لأمريكا فقط بل وللعالم بأسره.
يديعوت