انتصار سورية… سقوط مخطّط القطيعة وعودة العلاقات إلى طبيعتها وتميّزها حسن حردان
لم يكن أعداء سورية ولبنان ينتظرون أن يروا مشهد عودة الاتصالات الرسميّة بين الدولتين بعد نحو ستّ سنوات ونصف السنة من الحرب الإرهابية الكونيّة على سورية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وهم بالتأكيد أصيبوا بالخيبة والمرارة والصدمة لرؤيتهم وزراء في الحكومة اللبنانيّة يذهبون إلى دمشق في زيارة رسميّة ويلتقون زملاءهم وأشقّاءهم السوريّين ويشاركون معهم فرحة سورية وشعبها في افتتاح معرض دمشق الدولي، الذي شاركت فيه عشرات الدول العربيّة والأجنبيّة، في مؤشّر بالغ الأهميّة والدلالة على انتصار سورية، وعودة بعث الحياة والروح في الاقتصاد السوريّ، وفشل مخطّط حصار وعزل سورية العروبة والمقاومة بقيادة الرئيس بشار الأسد، الذي صمد صمود الأبطال مع شعبه وجيشه الباسل وبدعم من أطراف حلف المقاومة وروسيا، وانتصر على أشرس حرب كونيّة في التاريخ تُشنّ على دولة مستقلّة ترفض الهيمنة والتبعيّة لقوى الاستعمار والرجعيّة .
لقد استهدفت الحرب الإرهابيّة الكونيّة على سورية، من بين أهمّ أهدافها، إحداث القطيعة والعداء بين سورية ولبنان، عبر تحويل لبنان إلى منصّة للتآمر على سورية، قيادةً وجيشاً وشعباً، وجعل لبنان منطلقاً لتسلّل الإرهابيّين التكفيريّين إلى سورية لشنّ حربهم الإجراميّة التدميريّة المموّلة والمدعومة من أميركا وكيان العدوّ الصهيوني والدول الغربيّة وأنظمة الخليج وتركيا، بُغية إسقاط الدولة الوطنيّة السوريّة المقاومة، وإقامة بديل عنها دولة عميلة تابعة للغرب الاستعماريّ وصديقة للعدو الصهيوني لمساعدته على تصفية القضيّة الفلسطينية، والتمهيد للعودة إلى استئناف الحرب ضدّ المقاومة في لبنان بواسطة قوى 14 آذار، وربما بحرب يشنّها العدو الصهيونيّ على غرار حرب 2006، بهدف سحق المقاومة بعد أن يتمّ إسقاط سندها وظهيرها العربيّ الأساسيّ والوحيد سورية الأسد، وذلك بُغية حسم الصراع في لبنان لمصلحة فرض الوصاية الأميركيّة الكاملة عليه.
غير أنّ صمود الدولة الوطنيّة السوريّة المقاومة ونجاحها في التصدّي لجيوش الإرهابيّين التكفيريّين الذين جُلبوا إلى سورية بواسطة الاستخبارات الغربيّة والتركيّة والخليجيّة من 93 دولة في العالم، وبلغ عددهم مع نهاية عام 2015 نحو 360 ألف إرهابيّ، حسب مركز فيريل الألماني، أحبط وأسقط هذا المخطّط التآمري.
على أنّ انتقال سورية الصامدة إلى الهجوم مع نهاية 2015 بدعم من حلفائها في محور المقاومة وروسيا، وتمكّنها من تحرير المدن والبلدات السوريّة الواحدة تلو الأخرى من رجس الإرهابيّين، وضع سورية على أعتاب تحقيق النصر الناجز على الإرهاب، والذي لم يعد يفصلها عنه سوى أشهر معدودة مع إلحاق الهزيمة بـ«داعش» في دير الزور. كما أدّى ذلك إلى إسقاط مشروع «الشرق الأوسط الجديد» مرة أخرى، بعد إسقاطه عام 2006 بانتصار المقاومة على العدوان الصهيوني، وكذلك أدّى إلى دفن مشروع تعويم الهيمنة الأميركيّة الأحادية على المنطقة والعالم، والتأسيس إلى ولادة نظام عالميّ جديد متعدّد الأقطاب.
هذا الانتصار لسورية، الذي بانت مؤشّراته من ساحات القتال ضدّ قوى الإرهاب، جعل واشنطن ومعها الدول الغربيّة ترضخ وتسلّم بفشل حربها والتكيّف مع ذلك بدعوة ما يسمّى بـ«المعارضة السوريّة» المرتبطة بها، إلى البدء بالتعوّد على التعايش مع وجود الرئيس بشار الأسد في السلطة باعتباره الرئيس الشرعيّ الوحيد.
من هنا، كان من الطبيعي أن تؤدّي هذه التطوّرات الميدانيّة والسياسيّة إلى إسدال الستار على كلّ الأوهام والرهانات، التي عقدها البعض في لبنان والمنطقة، على إسقاط نظام الرئيس الأسد، وبنوا حساباتهم على هذا الأساس، وأن يؤدّي ذلك إلى تبدّل كبير في موازين القوى لمصلحة المقاومة والقوى الوطنيّة، والذي أدّى بدايةً إلى انتخاب الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ومن ثمّ تحرير جرود عرسال والبدء بعمليّة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك من القوى الإرهابيّة التكفيريّة، وصولاً إلى إنهاء القطيعة مع سورية وإعادة بعث الحياة والروح في العلاقات الثنائيّة والتنسيق بين دمشق وبيروت، لينتصر بذلك منطق التاريخ والجغرافيا وخطّ الكفاح المشترك ضدّ أعداء سورية ولبنان، إنْ كان الكيان الصهيوني المحتلّ لأجزاء من لبنان والجولان، إلى جانب فلسطين، أو كان الاستعمار الغربي وأدواته الإرهابيّة التكفيرية. ويتأكّد بذلك أنّ ما بين لبنان وسورية أقوى بكثير من قوى التآمر والعدوان، وأنّ الزمن الذي كان فيه لبنان قويّاً في ضعفه قد ولّى، وحلّ مكانه زمن أصبح فيه لبنان قوياً بمقاومته المنتصرة على العدو الصهيوني والإرهاب التكفيري، بالتكامل والتنسيق مع الجيشَين اللبناني والسوري، وقويّاً أيضاً بتعاونه وتنسيقه مع سورية، التي تربطها به وحدة مسار ومصير وتاريخ مشترك وجغرافيا وصِلات قُربى…