ترامب يجر أمريكا الى درك اسفل لم تشهده من قبل: نداف ايال
دونالد ترامب ما كان ينبغي أن يجيب على الاطلاق على الاسئلة هذا الاسبوع، في المؤتمر الصحفي في برج ترامب. فقد اعتزم الاعلان عن خطته لتمويل البنى التحتية المتهالكة. الخطة نفسها كانت بالطبع فارغة من المحتوى، بدون جدول زمني، مصدر التمويل، وتيرة التشريع، الاهداف الواضحة. ولكن كانت هذه هي طريقة الادارة لاعطاء احساس – زائف، بالطبع – بان شيئا ما يتم عمله. بشكل عام، وفضلا عن عمل المدعي العام جث سشنس (الذي يحاول ترامب تصفيته) ادارته فعلت القليل جدا منذ كانون الثاني .
ولكن عندها، في منتصف حدث كان يفترض أن يخدم أجندته الجدية، بدأ ترامب يصطدم بالصحافيين في الغرفة الذين سألوا عن رد فعله البطيء والمتردد على الاضطراب في شارلوتسفيل. كانت هذه مسرحية مخيفة جدا. احد مسؤولي البيت الابيض قال: “الرئيس ببساطة عربد”. رئيس الطاقم جون كيري، الذي كان عين في منصبه لتوه، دفن رأسه عميقا في صدره. فهو على ما يبدو لم يعرف الى أين سيحمل العار حين شرح الرئيس بانه كان في شارلوتسفيل “طرفان” (طرف واحد هم النازيون، كما يجدر بالذكر) وواصل بالمقارنة بين جورج واشنطن، ابي الامة، وبين الجنرال روبرت آي.لي ، قائد جيش الاتحاد الجنوبي – الذي قاتل من أجل الابقاء على العبودية. واشنطن كان يملك عبيدا، ولكن المقارنة كانت سخيفة على نحو مخيف: في عهده لم تكن العبودية موضع خلاف، وعلى اي حال لم ينطلق الى الحرب كي يدافع عنها.
مواجهة ترامب في المؤتمر الصحفي كانت الدفاع الاكثر بروزا الذي يقدمه سياسي امريكي كبير للعنصرية ولتفوق العرق الابيض منذ الستينيات: كانت هذه مرافعة دفاع للنازيين الامريكيين. ترامب سأل اذا كانوا في المرحلة التالية سيزيلون تماثيل توماس جفرسون. وحدد اصطلاحا جديدا “اليسار البديل” على وزن اليمين المتطرف “اليمين البديل”. وتناول الرئيس اجتماع النازيين وهم يحملون الصلبان المعكوفة، كذاك الذي انتهى بالموت دهسا لمتظاهرة يسارية يوم السبت، وقال انه كان “اناس طيبون” في الطرفين. وفي هذا الاطار، صرخ على الصحافيين بانهم “انباء ملفقة”. دافيد ديوك، العنصري المعروف والمسؤول السابق في جماعة كو كلوكس كلان، سارع الى مباركة الرئيس. قل لي من يثني عليك، اقول لك من أنت.
حسب الاستطلاعات فان ترامب في الوضع الاسوأ للرئيس منذ جورج بوش. وبوش وصل الى الوضع اياه بسبب حرب فاشلة في العراق. اوباما وكلينتون لم يصلا ابدا الى مثل هذا الدرك في الاستطلاعات، وقد توليا منصبهما ثماني سنوات. اما ترامب ففي المنصب فمنذ اقل من سنة. فقد العديد من النقاط بسبب رد فعله على شارلوتسفيل. صحيح، انتخاب ترامب يجسد بانه لا ينبغي أخذ الاستطلاعات على محمل من الجد اكثر مما ينبغي، ولكن جدير قراءتها؛ فهي مؤشر على الموقف العام، وهذا الموقف هو الرفض. الامور سيئة من ناحيته لدرجة ان حتى “فوكس نيوز″ انتقدته هذا الاسبوع.
السؤال المطروح في الدوائر السياسية في الولايات المتحدة، هو ما العمل مع ترامب؟ حتى عندما يكون محوطا باناس متوازنين نسبيا مثل الجنرالات كيلي، ماكماستر وماتس، لا يتردد ترامب عن مواجهات التويتر مع كوريا الشمالية. على الكفة حرب نووية، ليس اقل. وحتى عندما يعد رئيس طاقمه الجديد له تصريحا مكتوبا في موضوع البنى التحتية، ينتهي الامر في المؤتمر الصحفي الذي يساند الرئيس فيه جزء من ادعاءات النازيين الامريكيين. بتعبير آخر: انهارت الفرضية بان المنظومة الامريكية المحملة بالتوازنات والكوابح ستنجح في ضبط ترامب. وانهار الادعاء بان الرئيس ليس اكبر من مجموع كل إدارته. في هذا الوضع، على امريكا ان تفكر كيف تحافظ على الريادة العالمية عندما يكون القائد الاعلى يشاهد تلفزيون الكوابل كثيرا ولا يستمع لمستشاريه المتناقصين.
هذه مهامة صعبة للغاية لان من صاغوا الدستور خلقوا بشكل مقصود وضعية ملك منتخب؛ ذو صلاحيات هائلة ومع امكانيات محدودة للاطاحة به في اثناء الولاية. امريكا ليست مجرد دولة اخرى؛ هي الامة الاقوى في العالم وذات نفوذ عالمي استثنائي مقارنة بقوى عظمى في الماضي. والزعيم الذي يقف على رأسها يلوح كنوع من نيرون حديث، شخصية حذر الاب المؤسس الكسندر أملتون منها: “الحقيقة بلا شك هي أن السبيل الوحيد لتشويه منظومة الجمهورية السياسية هو من خلال التملق لاراء الناس المسبقة، تحفيز تزمتاتهم وأحقادهم”.
الولايات المتحدة باتت هناك. وهذه ليست فقط مشكلة امريكا الان، بل الغرب كله، ومشكلتنا، في الاطراف البعيدة من الامبراطورية الامريكية.
يديعوت