الرضوخ اﻷميركي في سورية
غالب قنديل
تحفل الصحف والمواقع العربية بمقاﻻت تضج بالعويل والتباكي لخيبة حلف العدوان على سورية وبعض الكتبة المعتاشون على فتات موائد اﻷمراء والشيوخ ﻻ يخفون اعترافهم بسقوط الرهان على خرافة الثورة التي فبركوها بل وفجيعتهم بسقوط الرهان على القوة العسكرية اﻷميركية التي طالبوها جهارا باحتلال اﻷراضي السورية ومهاجمة قصر الرئاسة أو باغتيال الرئيس بشار اﻷسد .
هؤلاء قاموا بجهود مكثفة خلال سنوات العدوان لتوفير الغطاء السياسي والمعنوي لعصابات قاعدية يدعمها الكيان الصهيوني وسموها كسواها من تنظيمات اﻹرهاب التكفيري بالفصائل الثورية من غير أن يرف لهم جفن بينما كانوا مصفقين ومرحبين ومبشرين بكل بادرة تدخل عسكري صهيوني أو غربي ضد الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية طيلة السنوات الماضية.
التلطي خلف خرافة الصراع على سورية كان وسيلة هذا الفريق من طابور العدوان ليطمس ارتهانه للمشيئة والتعليمات اﻷميركية الصهيونية مباشرة أم بالواسطة السعودية القطرية التركية أو الفرنسية والبريطانية وحتى لوانتحل بعضهم صفات وطنية أو التفوا مؤخرا لحجز موقع في معسكر المنتصرين مع سورية وشعبها وجيشها ورئيسها المناضل.
تلاحقت مؤشرات تغير موازين القوى واندحار الغزوة اﻻستعمارية بتفكك الواجهات السياسية للعدوان وافتضاح عجزها وعقمها بعد انقسام مشغيلها من الحكومات والمخابرات المشاركة في الحرب على سورية والهزيمة في سورية هي دون شك من أبرز أسباب تشظي حلف العدوان الذي فجره اﻻختلاف على توزيع أنصبة تكاليف الخسارة والفشل أمام السيد اﻷميركي الذي شرع يتكيف ويعدل موقفه تماشيا مع الوضع الجديد بينما يواصل الجيش العربي السوري تقدمه على اﻷرض محررا المزيد من المناطق السورية محققا اندفاعات سريعة تثير اعجاب الخبراء العسكريين بل وترغم البنتاغون على مراجعة خططه والتحسب لاحتمالات لم تكن مدرجة من قبل كحظر الاشتباك مع الجيش العربي السوري الذي صدر اﻷمر به مؤخرا وفي العلن إلى جميع عملاء واشنطن الذين اختار بعضهم التوجه مباشرة إلى جيش بلادهم ( صحيح مرتزقة لكنهم يحسبون ويستبقون اﻷجل المحتوم ) ودون انتظار تعليمات أميركية لاحقة.
في هذا المناخ يتكرر الكلام الأميركي عن احتمالات الهرب من سورية وتطرح أفكار في مواقع التخطيط للتكيف مع التوازنات السمتجدة بصوة تخدم تحقيق الحد اﻷدنى الممكن من اﻷهداف اﻷميركية في سورية وهي تمحورت دائما حول المصالح النفطية اﻻستراتيجية في الشرق وقضية الصراع العربي الصهيوني.
ما كتب قد كتب وسقط وهم اﻹسقاط ولذلك تﻻحقت إعﻻنات تعديل الموقف السياسي اﻷميركي وشرعت واشنطن تستجيب بعد اختبارت القوة القاسية ورسائل الردع السورية والروسية واﻹيرانية لمبادرات روسية تحت عناوين التهدئة والتجميد التي ﻻ تشمل القتال ضد داعش والنصرة وﻻتقيد عمليات الجيش العربي السوري بل تمنع الغارات الصهيونية واﻷميركية ضد الجيش العربي السوري ولا توقف مؤازرة هذا الجيش بالقوات الروسية الجوية بل والبرية أحيانا.
هذا ما تكرس منذ نجاح الجيش العربي السوري في كسر الخط اﻷحمر اﻷميركي بتقدمه حتى الحدود العراقية واﻷردنية وبما أنجزه على جبهة الجولان من تدمير لبنية العصابات العميلة مما هشم مشروع الشريط الافتراضي ومنع قيامه باعتراف العدو.
لن تتوقف المحاوﻻت اﻷميركية لانتزاع ضمانات لصالح كيان العدو بمعنى الحؤول دون تحول جبهة الجولان الى جبهة قتال واستنزاف قد تطال عمق الكيان ولن يتوقف السعي اﻷميركي لحجز حصص استثمارية في قطاع الطاقة السوري الواعد أو في خطوط النقل العملاقة المرتقبة من قزوين حتى الساحل السوري مرورا بالعراق لكن اﻷكيد أن مالم تقبله سورية قبل العدوان الاستعماري لن ترتضيه بعد ملحمة صمودها الكبرى وهذا ما ينال مساندة ودعم الحلفاء الذين باتوا شركاء كاملين لها استراتيجيا واقتصاديا بشبكة مصالح ومشاريع قارية طموحة تلتقي عليها وبها في سورية ومعها الصين وروسيا وإيران وجميع مقاومي الهيمنة اﻷميركية في المنطقة والعالم.
المعركة مستمرة ويفصلنا عن اﻻنتصار زمن غير قليل ومسافة من الدماء والتضحيات ولن سوف تطول خيبة المراهنين والمتورطين بينما تستعيد دمشق ألقها العظيم كمركز لقوة صاعدة وواعدة في جميع المجاﻻت واﻷغبياء وحدهم ﻻيفتحون عيونهم للشمس ليستغرقوا في أوهامهم علهم يسترجعون أحلام يقظتهم المغدورة بهزيمة لارجوع منها.