على ترامب تجاوز أوروبا وإلغاء الاتفاق النووي: تسفي برئيل
لقد أعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هدية فاخرة لنظيره الإيراني حسن روحاني على شرف مراسيم أداء الأخير ليمين القسم غدا. فقد أرسل ترامب وجبة جديدة من العقوبات باسم «ردا على النشاط الإيراني الذي يضعضع الاستقرار ـ 2017». إن هدف القانون الأمريكي هو أن تشمل قائمة العقوبات المزيد من الأشخاص والمؤسسات الإيرانية الذين يعملون في صناعة الصواريخ التي يمكنها حمل رؤوس نووية ونشر الإرهاب.
القانون يلزم الرئيس بتقديم التقارير مرة كل سنتين حول الاستراتيجية التي تهدف إلى كبح النشاطات الإيرانية التي من شأنها أن تتسبب بالضرر المباشر للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا. وهذا الأمر يمنح إسرائيل ودولا مثل السعودية، مكانة الدول التي لها مصالح وتستطيع تقديم الادعاءات والشكاوى ضد إيران.
قانون العقوبات واسع وغامض بما فيه الكفاية كي يوفر مبررات تلزم الإدارة باعادة النظر أو حتى إلغاء الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه قبل عامين. ولكن من الأفضل مسح دموع الفرح التي ذرفها معارضو الاتفاق النووي. إن تحقيق وعود ترامب بإلغاء الاتفاق النووي لأنه الاتفاق «الأسوأ»، ما زال بعيدا، هذا إذا لم يكن مستحيلا. وحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية التي تتابع تطبيق الاتفاق النووي، فإن إيران لم تقم بأي تجاوز للاتفاق حتى الآن. والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يُقران بذلك. وإيران نفسها تدعي أن العقوبات الاقتصادية، بما فيها العقوبات الجديدة، هي مثابة إخلال بالاتفاق. ورغم ذلك فإن إيران ستستمر في التمسك بالاتفاق وستعمل على إخراج نفسها من العزلة الدولية، كما صرح الرئيس حسن روحاني في هذا الأسبوع.
إيران ليست وحدها التي لا تقدم أي ذريعة من أجل إلغاء الاتفاق النووي. فالاتحاد الأوروبي أيضا لا ينوي الانضمام إلى اللعبة الأمريكية الاستراتيجية. وهو يعتبر الاتفاق مثابة إنجاز سياسي مهم وأداة ناجعة لمنع إيران من إنتاج السلاح النووي. من هنا فإن الاتفاق يثير الخلافات السياسية العميقة بين القطبين في الغرب، القطب الأمريكي والقطب الأوروبي، وهو الخلاف الآخذ في التعمق منذ تولي ترامب منصب رئيس الولايات المتحدة، وليس فقط بسبب الاتفاق النووي.
يبدو أنه في نصف السنة الأخيرة نجح ترامب في تحطيم ليس فقط العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، بل أيضا التفاهمات الأساسية مع الاتحاد الأوروبي.
كان يكفي الاستماع إلى تبادل السهام المسمومة التي تطايرت بين الاتحاد الأوروبي وبين واشنطن في الأسبوع الماضي في أعقاب المصادقة على قانون العقوبات ضد روسيا كي ندرك أن جبهة جديدة من الحرب الباردة قد نشأت. وفي هذه المرة بين أوروبا والولايات المتحدة. هذه اللعبة نفسها التي ميزت الحرب الباردة الكلاسيكية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، التي كان كل إنجاز أمريكي فيها هو خسارة للسوفييت والعكس صحيح. الفرق الآن هو أن كل إنجاز أمريكي تعتبره أوروبا تهديدا على أمنها، وإيران تعتبر مثالا على ذلك.
العقبة الأوروبية
سياسة دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، التي أوضح زعماؤها أنه إذا قررت الولايات المتحدة إلغاء الاتفاق النووي مع إيران فيجب عليها التمسك به (طالما أن إيران تفي بالتزاماتها). صحيح أن هذه الدول هي الأكثر استفادة من هذا الاتفاق، صفقات بمليارات الدولارات تشمل شراء الطائرات وقطع الغيار للسيارات واستثمارات في البنى التحتية، وتم التوقيع على اتفاقيات لتطوير آبار النفط التي دخل بعضها إلى حيز التنفيذ. وقد تم توقيع صفقة كبيرة بمبلغ 4.8 مليار دولار في شهر تموز، بين إيران وفرنسا والصين، الأمر الذي سيجعل شركة النفط الفرنسية «توتال» تقوم بتطوير حقل للنفط في جنوب إيران. هذا هو اتفاق النفط الأول الأوروبي الذي وقع مع إيران منذ توقيع الاتفاق النووي.
لقد زاد تصدير إيران إلى أوروبا بنسبة 300 في المئة منذ التوقيع على الاتفاق. ووصل في عام 2016 إلى 5.5 مليار دولار. ألمانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية تخطط لاستثمار مليارات الدولارات في تطوير الطاقة الشمسية في إيران. وحجم التجارة بين إيران وألمانيا زاد بنسبة 26 في المئة في 2016، ووصل إلى 2.6 مليار دولار. وتسعى ألمانيا أيضا إلى الوصول إلى مبلغ 5 مليارات دولار في عام 2018.
الاقتصاد ليس وحده هو الذي يضع العصي في العجلة الاستراتيجية لترامب ضد إيران. فالاتحاد الأوروبي يلاحظ وجود تصدعات في صفوفه بين من يؤيدون ترامب وإسرائيل مثل هنغاريا وبولندا وبين الدول القوية. وهناك من يقترح إنتاج شريحتين من الدول في الاتحاد الأوروبي، الدول الضعيفة والدول القوية؛ حيث تقوم الدول القوية بإدارة السياسة الخارجية وإلزام الدول الضعيفة بهذه السياسة من أجل اتخاذ موقف مشترك ضد الولايات المتحدة. هذا الموقف يتعاطى بالاشتباه والارتداع مع استراتيجية المقاطعة التي يحاول ترامب تطبيقها ضد إيران، وهو لا يكلف نفسه عناء التشاور مع نظرائه في أوروبا.
الحلم والشظايا
العلاقة مع إيران حيوية للاتحاد الأوروبي على ضوء تراجع واشنطن وانسحابها من الشرق الأوسط وانطوائها على نفسها.
في الوقت الذي تقوم فيه روسيا بتعزيز مكانتها في المنطقة، لا سيما من خلال سيطرتها على الأحداث العسكرية والسياسية في سوريا، وبالتعاون مع تركيا، يعتبر الاتحاد الأوروبي إيران رافعة لتحقيق مصالحه إلى درجة أن فرنسا، المعارضة الأكبر لنظام بشار الأسد، قالت إن طرده غير موجود على سلم أولوياتها. وتصريحات الرئيس الفرنسي عمانوئيل مكرون حول هذا الموضوع لم تكن صدفية قبل التوقيع على اتفاق النفط مع «توتال». بالنسبة للاتحاد الأوروبي من المهم إنهاء الحرب في سوريا التي ما زالت تتسبب بتدفق اللاجئين إلى أوروبا. والدول الأوروبية تدرك أنه بدون التعاون مع إيران فإن تهديد اللاجئين سيستمر، الأمر الذي يزيد من قوة تيارات اليمين المتطرفة.
السؤال هو إلى أي حد سيوافق ترامب على أخذ العقبة الإيرانية في الحسبان وملاءمة استراتيجيته مع استراتيجية شركائه في الناتو.
مستشاروه، ومن بينهم وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، يتصرفون الآن مثل المعارضين الإسرائيليين لمهاجمة إيران، حلم نتنياهو.
القادة الأمريكيون الثلاثة قاموا بلي ذراع ترامب في الشهر الماضي كي يعلن أن إيران لم تخل بالاتفاق النووي، وهكذا يتم منع حدوث شرخ عميق مع الاتحاد الأوروبي. وقد قام ماكماستر بطرد ثلاثة من مستشاري الأمن القومي في الشهر الماضي، ومن ضمنهم عزرا كوهين فوتنيك، المسؤول عن التنسيق الاستخباري، وريتش هايغنس الذي كان رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي، وديرك هارفي الذي كان مسؤولا عن ملف الشرق الأوسط. وهؤلاء الثلاثة هم من مؤيدي السياسة المتطرفة ضد إيران.
ولكن ترامب يستمر في التسلي بأفكار ضد الاتفاق النووي. وحسب تقارير في وسائل الإعلام الأمريكية، يسعى الآن للضغط على الوكالة الدولية للطاقة النووية، ليس فقط من أجل العثور على تجاوزات لإيران، بل أيضا المطالبة بالدخول إلى منشآت إيران العسكرية للاشتباه بتطوير الصواريخ التي يمكنها حمل رؤوس نووية.
إن الرقابة على المواقع العسكرية غير النووية كانت وما زالت خطا أحمر بالنسبة لإيران، وهي غير مشمولة في الاتفاق النووي باستثناء حالة وجود اشتباه قوي للإخلال بالاتفاق في هذه المنشآت. ولكن حتى الآن لا يوجد لدى وكالة الطاقة الدولية النووية أي دليل على وجود مخالفات.
يبدو أن حلم أمريكا لتغيير النظام في إيران سيتلاشى بسرعة شريطة أن يجد ترامب الوقت لقراءة التقارير والأبحاث التي تم نشرها مؤخرا والتي جاء فيها أن الولايات المتحدة حاولت إسقاط أنظمة 72 مرة، وثلث هذه المحاولات فقط كان ناجحا في المرحلة الأولى، وتحول الأمر إلى مراحل مؤلمة بعد قيام الأنظمة الجديدة بتبني خط معاد لأمريكا.
إن إيران لا تخشى من إسقاط النظام، رغم أنها مرت بتدخل خارجي كهذا مرتين في القرن العشرين. أيضا الصراع الداخلي التقليدي بين المحافظين ولإصلاحيين لا يضمن تغيير طريقة الحكم التي تعتمد على الصلاحية العليا للزعيم الروحاني والزعيم السياسي وعلى عدد من الكوابح السياسية التي تمنع الاهتزازات.
روحاني الذي سيبدأ غدا ولايته الثانية والأخيرة، ستكون مشكلته الأساسية هي إعداد الأرض للإصلاحات السياسية وكبح قوة خصومه السياسيين الذين يسيطرون اقتصاديا وعسكريا. تستطيع الولايات المتحدة مساعدته على زيادة قوة الإصلاحيين. ولكن يبدو أن هناك حاجة إلى تغيير الإدارة الأمريكية من أجل ذلك، وليس تغيير النظام في إيران.
هآرتس