مقالات مختارة

ابتذال لعبة الكيماوي حميدي العبدالله

 

لا شك أنّ سعي الولايات المتحدة لاستخدام «لعبة الكيماوي» في سورية قد ابتذلت إلى درجة يبدو معها أنّ القدرة على استخدام هذه اللعبة بات في تراجع متواصل. في أحد أهمّ أسباب هذا التراجع هو ابتذال هذه اللعبة من قبل الأميركيين، والأنموذج لهذا الابتذال هو ما صدر عن البيت الأبيض من موقف بدا فجاً إلى درجة يصعب على أحد تصديقه.

مثلاً لو اكتفى البيت الأبيض في البيان التحذيري الصادر عنه بما جاء في توضيح من قبل وزارة الدفاع الأميركية عما أسمته ملاحظة «نشاط مشبوه» لكان ربما هناك من تصديق، ولا يستمرّ العمل لهذه اللعبة، في أعمال التهويل والابتزاز وممارسة الضغوط، لكن أن يلجأ البيت الأبيض إلى اعتماد تعابير لا تنطلي حتى على الأطفال فهو الذي ساهم في ابتذال هذه اللعبة، من مثل ما جاء في بيان البيت الأبيض عن سقوط ضحايا بينهم نساء وأطفال، قبل وقوع أيّ هجوم، وقبل تحديد أين سيقع هذا الهجوم ولماذا سيكون في الموقف المستهدف نساء وأطفال.

عبارات بيان البيت الأبيض هي التي دفعت البعض لوصف الموقف الأميركي بالغبي. بمعنى آخر هذه الكذبة لم تكن محبوكة ولو بالحدّ الأدنى من الرواية القابلة للتصديق. وهنا يمكن الاستنتاج أنّ هناك واحداً من احتمالين دفعا البيت الأبيض لإصدار البيان على هذا النحو، الاحتمال الأول، هو غرور القوة أيّ أنّ إدارة ترامب لا ترى نفسها ملزمة بتقديم أيّ رواية قابلة للتصديق، لأنها مجرد أن تقول إنّ سورية استخدمت أو تنوي استخدام أسلحة كيماوية فعلى العالم أن يصدّق ذلك، ويبدو أنّ هناك من يزال يرقص على هذا النغم إذ انّ الرئيس الفرنسي ووزير خارجية بريطانيا سرعان ما وقفوا إلى جانب البيت الأبيض وصدّقوا روايته الكاذبة، ولعلّ مثل هؤلاء المسؤولين في العالم هو الذي يشجع المسؤولين الأميركيين على السير في الطريق المتهوّر وتعريض استقرار العالم إلى المزيد من المخاطر.

الاحتمال الثاني، أنّ الرئيس الأميركي أراد عرض رواية كاذبة بوضوح لاستفزاز خصومه ودفعهم لإصدار مواقف حازمة تمنعه من القيام بأيّ عمل في مواجهة التغييرات الميدانية الحاصلة والتي لا تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، والاستناد إلى الردود الحازمة لتبرير عدم القيام بأيّ عمل لوقف الانقلاب الحاصل في توازن القوى ولا سيما على الحدود السورية – العراقية.

بمعزل عن أيّ من الاحتمالين هو الذي يفسّر العودة إلى «لعبة الكيماوي» إلا أنها باتت بعد هذه الطريقة لعبة مبتذلة وأكذوبة لم تعد تنطلي على أحد.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى