مقالات مختارة

ما حقيقة موقف الحريري من ملف النزوح… ولماذا يشعر «بالحرج»؟ ابراهيم ناصرالدين ابراهيم ناصرالدين

 

ما طلبه رئيس الحكومة سعد الحريري من وزرائه عدم التطرق الى ملف النازحين السوريين «حرصا على استمرارية الحكومة وتجنبا للمواضيع الخلافية»، كان سبق ان طرحه صراحة مع رئيس الجمهورية ميشال عون قبل الجلسة، ويبدو ان الرئاسة الاولى تتفهم «الحرج السياسي» الذي يمنع الحريري من الاقدام على معالجة هذه القضية البالغة الحساسية من «بوابة» فتح حوار مباشر مع الدولة السورية، ولهذا مرت «الجلسة» على خير، في ظل عدم وجود رغبة لدى جميع القوى السياسية «بفرط عقد» الحكومة. لكن يبقى السؤال عما يريده الحريري في هذا الملف؟ وهل صحيح انه «يضمر» شيء ويقول شيء آخر؟ ولماذا هو في ورطة»؟

اوساط وزارية بارزة تشير الى ان تيار المستقبل يعاني الكثير في بيئته بسبب «السياسة التي ينتهجها الرئيس سعد الحريري في كافة الملفات، ولا تنقصه على مسافة اشهر من الانتخابات النيابية «سقطة» جديدة سيكون لها تداعيات كبيرة في اوساط جمهوره، وسيستغلها خصومه على الساحة السنية في الدعاية الانتخابية المضادة… «الثورة» السورية لم تعد على جدول اعمال تيار المستقبل، لانها لم تكن اصلا كذلك الا من باب «الدور» الذي طلب في منتصف العام 2011 من التيار لمواكبة سقوط الرئيس بشار الاسد وملاقاة الحكم الجديد في دمشق سياسيا، والمساعدة في وقت لاحق على محاصرة حزب الله. بعدها طالت الازمة، لا بشار سقط، ولا محاصرة الحزب ممكنة، ولذلك تم تطوير مهام المستقبل وطلب من «التيار الازرق» مهامات لوجستية، وتورطت بعض قياداته ونوابه بقرار مركزي في تسهيل الدعم العسكري والامني «للجيش الحر»، وذلك بتنسيق مباشر مع الاستخبارات السعودية اولا، ثم التركية في وقت لاحق، طبعا بلغت «التعبئة» ذروتها يومها مع وعود متكررة بسقوط قريب للنظام، فكان ما كان من دخول مباشر لحزب الله في الحرب ما ادى حينها الى الغاء الدور الوظيفي للساحة اللبنانية، ولم يتبق «للمستقبل» سوى دور اعلامي وتعبوي لجمهور يشعر اصلا بخيبة امل نتيجة مسار الاحداث «المحبط»، ولذلك من الصعب مطالبة  الحريري بالتخلي عن آخر اوراقه التعبوية المعادية للنظام السوري، في وقت بات غير قادر على الاستثمار في «ورقة» سلاح حزب الله، فيما الحزب يشكل واحدا من اهم الشركاء على طاولة مجلس الوزراء، وهو محكوم اصلا باستمرار تبني سياسية «ربط النزاع» لاسباب عديدة اهمها انعدام الخيارات.

ومن ناحية اخرى يخشى الحريري الاقدام على اي «دعسة» ناقصة تجنبا لارسال اي اشارات خاطئة للملكة العربية السعودية خلال الفترة الانتقالية الراهنة، حيث يعمل ولي العهد محمد بن سلمان على ترتيب «البيت الداخلي» بعد «الانقلاب الابيض» على ابن عمه الامير محمد بن نايف. القيادة السعودية المشغولة في المواجهة مع قطر، وبمحاولة وقف «الخسائر» المتراكمة في سوريا، ليست في وارد فتح النقاش الان حول مصير النازحين السوريين في لبنان، وهو ملف لا يستطيع الرئيس الحريري اتخاذ قرار به بمعزل عن موقف الرياض.

القيادة السعودية لا يعنيها «عبء» النزوح السوري وتاثيراته السلبية على لبنان، وهي بالاصل غير معنية باراحة حزب الله في الداخل اللبناني من خلال الموافقة على ترتيبات تخص هؤلاء، هم بنظرها «ورقة» ضغط قد تكون رابحة في المستقبل اذا ما احسن استثمارها… ولذلك فان اقدام الحريري على فتح قنوات اتصال رسمية مع الحكومة السورية «خطوة» تتجاوز قدراته، ولا يستطيع تحمل اكلافها السياسية، انه «انتحار سياسي» مجاني، واقرار «بالهزيمة» لمحور باكمله، لان مجرد قبول رئيس الحكومة بما يعرض عليه، يعني انه حصل على «ضوء اخضر» سعودي، غير متوافر حاليا، فلا المملكة في وارد اعطاء «شرعية» للنظام، ولن تسمح للقوى المحسوبة عليها بالقيام بذلك، وهم امر يدركه الحريري جيدا ولا يحتاج الى «طرق» ابواب الرياض للحصول على جواب، وهو في الاصل ليس في وارد نقاش الامر في هذه المرحلة، ولقائه الاخير بولي العهد خلال عطلة عيد الفطر خير دليل على ذلك.

وبحسب المعلومات، فان هذا اللقاء لم يشهد اي جديد على صعيد «تسييل» الدعم السعودي السياسي لتيار المستقبل، لم يوح  الامير محمد بن سلمان بوجود»خارطة طريق» واضحة لديه فيما خص الملف اللبناني، ودون وظيفة واضحة «للتيار الازرق»، لا يمكن ان يكون هناك دعم محدد وواضح، وبعد ان «ورط» الحريري المملكة بخيار انتخاب الرئيس ميشال عون، وبعد ان ثبت «بالوجه الشرعي» انه لم ينجح في استقطاب الرئيس او اقله تحييده في ملف السياسة الخارجية، ومسالة سلاح حزب الله، فان القيادة السعودية الشابة لا تزال حذرة للغاية في التعامل مع الملف اللبناني، لا رغبة لديها في اثارة الفوضى، ولا تملك الادوات اللازمة لوقف تداعيات خطوة مماثلة في ظل حالة والوهن لدى الحلفاء، لكن في نفس الوقت ليست في وارد الموافقة على خطوات تطبيعية مع النظام السوري، ومنح حزب الله ربحا اضافيا في التوقيت الخاطىء…

وانطلاقا من هذه المعطيات تؤكد اوساط قريبة من «المستقبل» انه ليس في «قاموس» الحريري ان يبادر في هذا الملف، لديه وجهة نظر خاصة تقول ان اللاجئين السوريين لا يريدون العودة اصلا، ما ينتجونه في لبنان يفوق من يمكن ان يحصلوا عليه في سوريا باضعاف، ومعظمهم لن يقبل بالعودة» الطوعية»، ولا يمكن اعادتهم «عنوة»، وهذا يعني ان اي قرار من الحكومة سيجلب سلبيات، ولن يحقق اي ايجابية، من ناحية ثانية يعتقد الحريري ان النظام السوري لا يريد اعادة اللاجئين اصلا، ولا يرغب في تحمل اعبائهم الامنية والاقتصادية. وذلك لو كان الامر بيد رئيس الحكومة لاعاد «كرة النار» الى «الملعب» السوري، فهو لا يمانع ان تنفجر «القنبلة» بوجه النظام، لا بين «يديه»، فعبء النازحين بدا بالتاثير السلبي ضمن بيئته، ومنافسة العمالة السورية لليد العاملة اللبنانية لا يمكن تغطيتها بالموقف السياسي المناهض للنظام السوري «وشعارات» دعم «الثورة» والمطالبة باسقاطه، ثمة ضيق غير مسبوق في مناطق الاطراف اي في البقاع والشمال حيث «الخزان» البشري لتيار المستقبل، «تنسيقيات التيار» رفعت تقارير «مخيفة» عن واقع العلاقة بين الطرفين وفي تقديرها فان الخطر قائم من انفلات الامور في اي لحظة…

ومن هنا يعتقد رئيس الحكومة ان ثمة من يحاول «توريطه» بهذا الملف، وهو «ارسل» اشارات عديدة لاكثر من طرف، مفادها «انه اذا كان هناك من يستطيع حل تلك الازمة بعيدا عن «توقيعي» فليفعل ذلك، اما من ينتظر اعترافا من قبلي بالنظام السوري، فهو يصعب الامور ويريد مني ان اوقع على «الاستسلام»، «الاوراق» مكشوفة ولا يوجد اي شيء مستور، كلنا نعرف بعضنا جيدا، وندرك قدرات  بعضنا البعض، فهل ثمة مصلحة لاحد ان «احشر» في الزاوية في هذه المرحلة؟ وهل لدى البعض رغبة «لاحراجي ثم اخراجي»؟

الجواب يبدو انه «كلا»، وبحسب الاوساط الوزارية، فان لا توجد مصلحة لدى اي من القوى السياسية «بتفجير» الحكومة والدخول بازمة سياسية في البلاد، وهذا يعني ان ملف النازحين لن ياخذ مداه في المناقشات داخل الحكومة، يدرك «خصوم» الحريري عدم قدرته على اتخاذ قرار مماثل، ولا احد منهم يرغب بالاطاحة بالحكومة او شل عملها، سيبقى الملف في اطار تشديد الاجراءات الامنية لمنع استخدام المجموعات الارهابية  التجمعات السورية لضرب الاستقرار الداخلي، سيتم تفعيل التواصل مع الامم المتحدة لاستكشاف امكانية لعب دور في هذا السياق، ويبقى «الباب» مفتوحا امام مبادرات «غير رسمية» على شاكلة ما قام به حزب الله من عملية تنسيق مع الجانب السوري ادت لعودة عشرات العائلات الى القلمون، اما الرهان على «خطوة» «انتحارية» من الرئيس الحريري فليس الا رهان على «سراب».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى