القلق من الدور «الوظيفي» الجديد لـ«داعش» يعزز الحرب الاستباقية ابراهيم ناصرالدين
ارتفاع منسوب المتابعات الامنية، وتفعيل ملاحقة المجموعات الارهابية على الساحة اللبنانية لا يأتي من فراغ، لا في التوقيت ولا في نوعية الاجراءات المتخذة سرا وعلنا. تعزيز «الامن» الاستباقي لا يلغي اجراءات اخرى يجري العمل عليها في سياق استباق الاحداث والتطورات الامنية والعسكرية المقلقة في المنطقة… فما هي تلك المخاطر؟ وكيف يتم العمل على مواجهته؟
اوساط معنية بهذا الملف، تشير الى ان ارتفاع منسوب العمل الامني سببه الرئيس ملاقاة مرحلة ما بعد سقوط «داعش» في العراق وسوريا، والمرجح ان تكون اكثر الحقبات خطورة، حيث يطرح في هذا السياق سؤالان مركزيان، الاول من سيملأ الفراغ على الارض، وهذا يترجم في الميدان من خلال السباق المحموم بين محور المقاومة وروسيا من جهة، وواشنطن ومن معها من حلفاء على امتداد الجبهات السورية، وخصوصا معركة البادية، والمواجهات في الشمال والجنوب، ويأتي ارتفاع حدة التوتر الروسي-الاميركي غير المسبوق، ليؤكد ما بلغت اليه الامور من تعقيدات في هذه المواجهة التي ستحدد معالم موازين القوى لعقود مقبلة…اما السؤال الثاني الاكثر خطورة فهو اين ستذهب قيادة «داعش» والمقاتلون الذين سيفقدون الجغرافيا في العراق وسوريا، لا شيء في العلم العسكري اسمه «التبخر»، لن يباد كل هؤلاء طبعا، ووفق المعلومات فان الكثير منهم خرج من ساحة المعركة وبدأ يؤسس لملاذات آمنة للتنظيم بعيدا عن خطوط المواجهة الساخنة في «ارض الخلافة». وهنا تكمن المخاطر الامنية الجدية، لان اعادة انتشار هؤلاء بدل حصرهم في جغرافيا محددة ستصعب مهمة تعقبهم ومواجهتهم، وهذا ما يرتب بناء عقيدة امنية مختلفة لمواجهة الاخطار المحدقة.
وانطلاقا من هذه المعطيات، تؤكد تلك الاوساط ان الاجهزة الامنية اللبنانية، وبغطاء سياسي من رئاسة الجمهورية، وبالتنسيق مع جهاز امن المقاومة الذي يملك خطوطا مفتوحة مع الاجهزة الامنية في سوريا، وفي حوزته معطيات ومعلومات متقدمة بفعل وجوده الميداني في سوريا والعراق، دشنوا في الفترة الاخيرة سياقا جديدا من الاستراتيجية الامنية لمواكبة هذه المستجدات التي تحتم العمل على منع «داعش» او تنظيمات تكفيرية رديفة من ايجاد ملاذات آمنة في الداخل اللبناني او على الحدود الشرقية.
وهذه الاستراتيجية تتطلب العمل على خطين متوازيين، امني وعسكري، في الخط الاول اتخذت العديد من الخطوات، اهمها «فتح ملفات» عدد من «المشبوهين» بالتورط او الانتماء الى الفكر التكفيري دون ان يثبت حتى الان انهم تورطوا في اعمال ميدانية في الداخل اوالخارج، لكن التوسع بات ضروريا في هذه المرحلة حيث تجري مراجعة دقيقة لملفات هؤلاء، بالتعاون مع اجهزة استخبارات اوروبية، زادت من اهتمامها بهذا الملف عقب الهجمات الارهابية المتتالية في اوروبا.
ثانيا، تفعيل العمل الاستخباراتي داخل المخيمات الفلسطينية بالتعاون والتنسيق مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تبدي تعاونا في هذا السياق. ثالثا تفعيل عملية مراقبة ملف «العائدون»، اي التنبه الى مسألة «الهجرة المعاكسة» «للجهاديين»، فالتقارير الاوروبية تفيد بأن عشرات المقاتلين الاجانب عادوا الى «القارة العجوز» في الاشهر الاربعة الاخيرة، كما غادر المئات العراق وسوريا دون ان يتم تحديد وجهتهم على نحو دقيق. وما يعني الاجهزة الامنية اللبنانية في هذا السياق متابعة «خط سير» اللبنانيين والفلسطينيين الذي خرجوا من البلاد للقتال في سوريا والعراق، ومنعهم من العودة الى الاراضي اللبنانية، فضلا عن زيادة الاجراءات الامنية والتشدد مع الشبان السوريين اللاجئين في مختلف المناطق اللبنانية، كي لا يتم استغلال ملف اللجوء… وفي هذا السياق تحدثت تلك الاوساط عن ارتفاع في منسوب التعاون الامني السوري – اللبناني، بشكل مباشر وغير مباشر.
وعلى خط مواز يأتي ازدياد منسوب الضغط العسكري في الجرود استكمالا لهذه الاستراتيجية، وعلمت «الديار» ان الاستعجال لحسم هذا الملف هذا الصيف، يأتي في سياق هذه المخاوف، فتأمين الحدود اللبنانية وقطع الطريق امام اي محاولات استخباراتية لايجاد ملاذ آمن لهذه التنظيمات في الجرود، وما بعد الجرود، يشكل اولوية سورية ولبنانية، ولا تكتفي الاجهزة المعنية، بتطمينات الاميركيين، ولا بالتقارير الاستخباراتية العربية والغربية التي تفيد بأن «عين» المجموعات الارهابية ليست على لبنان وانما على ثلاث مناطق حيوية بالنسبة اليها وهي سيناء، وليبيا، وجنوب شرق آسيا. اما اسباب القلق وعدم الثقة فيعود الى المعلومات غير المطمئنة المسربة من قبل الاجهزة الامنية الاردنية، الحليف الوثيق للاميركيين، والتي تفيد بأن مناخات مريبة تؤسس لدفع عناصر تنظيم «داعش» الى الاراضي الاردنية ودول جوار سوريا والعراق.
وما يزيد من منسوب الحذر ان كل الكلام عن استراتيجية جديدة للتصدي للإرهاب في المنطقة، تدعمها الولايات المتحدة وتمولها السعودية، يبقى مبهما، وما جرى في «كواليس» قمة الرياض الاخيرة، يدفع أكثر الى «الارتياب»، لان الإجراءات التي تم الحديث عنها لمواجهة تمدد «التنظيم» بقيت دون ادلة حسية، ولم يسبق القمة ولم يعقبها اي اجراءات نوعية تفيد بأن ثمة مواكبة جدية لمرحلة ما بعد «داعش» في سوريا والعراق، ووفقا لاوساط ديبلوماسية في بيروت، فان ما جرى يزيد الشكوك في ظل دلائل على ان لا قرار اميركي جدي بانتهاء الوظيفة التكتيكية لتنظيم «داعش» في المنطقة، والمتابعات الدقيقة للتطورات الميدانية في سوريا والعراق تطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، حول مصير مجموعات كبيرة من مقاتلي «داعش» اختفت بعد دخول الجيش العراقي الى مناطق واحياء في مدينة الموصل…
كما لا يملك الاميركيون اي اجوبة محددة تتعلق بمصير مقاتلي «التنظيم» بعد خروجهم من الرقة ودير الزور والسويداء… وقد زاد التدخل العسكري المباشر للقوات الاميركية لرسم «خطوط حمراء» للجيش السوري وحلفائه في جنوب البلاد وشمالها من علامات الاستفهام حول ادارة الاميركيين للموقف، خصوصا بعدما كشف الروس عن تفاهمات بين قوات سوريا الديموقراطية برعاية الاميركيين، لاخراج مقاتلي «داعش» من الرقة باتجاه البادية السوري.. يضاف اليها «التسهيلات» المريبة لتأمين انسحاب قيادة «داعش» من شمال العراق إلى جنوب سوريا وبدون علم حلفاء واشنطن او التنسيق معهم اواطلاعهم على هذه «الفوضى» العارمة في البادية السورية العراقية..فكيف لا يقلق «الخصوم»؟؟
هذه المعطيات المقلقة، جرى تسييلها الى خطة عملية يجري العمل عليها على الساحة اللبنانية، منعا لاي مفاجآت غير محسوبة، الخطر الاتي يتجاوز مسألة حماية الساحة الداخلية من «الذئاب المنفردة»، او تفكيك الشبكات الارهابية وملاحقة المشبوهين، عدم وضوح «الوظيفة» الجديدة لـ«داعش» والتنظيمات الارهابية، تحد كبير يجري العمل على «فك طلاسمه» لتحديد السبل الايلة لمواجهته، والمهمة المركزية لكل المعنيين بهذا الملف، هي اقفال جميع المنافذ والثغر الامنية والعسكرية التي يمكن لعناصر تلك التنظيمات النفاذ منها، وكذلك قطع «الطريق» امام اي محاولة من قبل الاجهزة الاستخباراتية التي عملت في السابق على توظيف التنظيم الارهابي لخدمة مصالحها، من استخدام الساحة اللبنانية «صندوقة بريد» او «ملاذ آمن» للتنظيمات الارهابية او ساحة «لتصفية الحسابات» في المواجهة المفتوحة في المنطقة، وهذا الامر سيترجم عمليا على الارض بخطوات اعتيادية واخرى استثنائية وغير متوقعة.
(الديار)