انقلاب البلاط السعودي
غالب قنديل
فعل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ما تردد أسلافه من أخوته في الإقدام عليه فقد كان لكل منهم ولد تمنى تأهيله لتسلم العرش واحجم عن تنفيذ الانقلاب فلم يجرؤ على اتخاذ الخطوة الحاسمة وتفجير تناقضات الخلافة في العائلة الحاكمة بحصر ممر الانتقال إلى الجيل الثاني من الأمراء.
يذكر المتابعون ان الملك الراحل فهد بن عبد العزيز تمنى تأهيل ولده المفضل عبد العزيز لخلافته وهو كان يسيرالمملكة من ديوان والده في ظروف مرضه الطويل وبقبول أعمامه الكبار على مضض والملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عمل بكل قواه لتصعيد ولده متعب وتقديمه وليا للعهد بعد ان خلفه في قيادة الحرس الوطني واصطدم باعتراضات كثيرة وتناقضات لا تحصى وانكفأ عن هذه الغاية قبل وفاته رغم التمهيد المفترض الذي انجزه من خلال إحداث هيئة البيعة ونظام عملها.
لم يتمكن فهد او عبدالله رغم علاقاتهما الوثيقة بالولايات المتحدة ان ينتزع تأييدا او مساندة لمسعاه التوريثي من واشنطن وفي العهدين كان نايف بن عبد العزيز ومن بعده ولده ووريثه محمد عامود ارتكاز امني وسياسي أميركي في النظام السعودي ولعبت الداخلية السعودية في عهدتهما دورا محوريا في احتواء مخاطر ارتداد الفصائل القاعدية التي رعاها النظام بإشراف اميركي وقدم محمد بن نايف لسنوات على انه الشريك المفضل لدى المؤسسة الأمنية الأميركية وجزءا من التوازن القلق الذي ترعاه الإدارة الأميركية داخل الأسرة الحاكمة وهذا ما دفع العديد من الخبراء الأميركيين للاعتقاد بأنه الملك السعودي المرجح بعد رحيل عمه سلمان بن عيد العزيز.
ليست المبالغ المالية الخرافية التي شحنها الرئيس الأميركي وزفها لمجمع الشركات الأميركية الكبرى جزء من حملة تأمين الدعم السياسي والأمني الأميركي الذي سمح بانقلاب البلاط السعودي الذي اطاح امس بولي العهد وحسم وراثة محمد بن سلمان لأبيه واستعجل وقوع المبايعة من امراء العائلة المالكة يتقدمهم الأمير المطاح به محمد بن نايف.
حظيت مسيرة تصعيد محمد بن سلمان وتضخيم دوره بدعم اميركي كبير وتمت رعايته وزيرا للدفاع بعلاقات وثيقة مع واشنطن وكذلك جرى تسويق “مشروعه الاقتصادي” الذي أعدته شركات اميركية وعملت على ترويجه في اسواق المال بالولايات المتحدة كفرصة استثمارية بينما كان دوره رئيسيا في قيادة الحصة السعودية من سياق الغزوة الاستعمارية التي تقودها الولايات المتحدة لإخضاع المنطقة ولضرب محور المقاومة ومن تلك الفصول الدامية التي شارك فيها محمد بن سلمان منذ تولي والده للعرش شوط رئيسي من العدوان على سورية وحرب تدمير اليمن وتعاون وثيق ومتسارع مع الكيان الصهيوني وهو تصدر الحملة الإقليمية المنسقة مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ضد إيران وتعهد مسؤولية تنظيم عمليات التخريب داخل إيران بواسطة عصابات الإرهاب الداعشية جهارا وقد بدا مفوضا من الولايات المتحدة بقيادة جبهة رئيسية من حروب ترامب لتثبيت منظومة الهيمنة ومنع اهتزازها عبر إرباك القوة الإيرانية واستنزافها وهو ما عبر عنه بن سلمان بشعاره “نقل المواجهة إلى الداخل الإيراني”.
في الخلاصة لقد تم التحضير للانقلاب الملكي باتقان ورضوخ ولي العهد السابق تعبير عن ميزان القوى داخل النظام وفي قلب العائلة السعودية الحاكمة ولو كانت لدى بن نايف بارقة امل بخوض معركة على العرش فليس من المعروف عنه انه يتراجع بسهولة لكن التمهيد المتسارع لما جرى عبر توزيع المغانم والمناصب على أمراء آل سعود رسم ملامح المشهد وأعدم امامه الفرص كليا فأذعن للأمر الملكي.
التفاعلات الناتجة عن انقلاب البلاط قد تظهر لاحقا ومن خلال تململ بعض أفراد العائلة السعودية لكن العبرة ستكون في ما يثيره توريث محمد بن سلمان على صعيد النظام القائم ومؤسساته الأمنية والعسكرية وتوازناته الداخلية في ظل الدعم الأميركي الواضح وهذا ما يجعل النتيجة المرجحة هي الإذعان ودخول مرحلة جديدة من حياة النظام السعودي في المنطقة.
مما لاشك فيه ان المملكة السعودية تواجه الاختبارات الأصعب في الظروف الراهنة وبغض النظرعن حدث تنصيب محمد بن سلمان بفعل ما يعصف بالمملكة من ازمات وتحديات ومن حروب عالقة داخل حلقة الفشل والمراوحة وفي مناخ العجز الأميركي عن خوض حروب شاملة بفعل التوازنات الدولية والإقليمية المتحولة وسيكون التحدي الرئيسي في القدرة على التكيف مع الوضع الجديد والسؤال عما إذا كان الخيار الذي سوف يتخذه محمد بن سلمان هو المزيد من التوغل في المغامرات الخاسرة ام اختبار فرص التسويات للخروج من مستنقعات الفشل والنزيف والجواب بمعظمه سيبقى في عهدة السيد الأميركي الذي يدير العدوان والنهب.