من هدنة درعا و«كباش التنف» إلى إسقاط الطائرة
ناصر قنديل
– لا يستقيم التفسير الذي تسوقه الجماعات المسلحة في جنوب سورية للهدنة المعلنة من جانب واحد من الجيش السوري، بربطها بخسائر الجيش وحاجته لالتقاط الأنفاس وفشل حملته العسكرية مع وقائع الميدان وتحقيق الجيش إنجازات هامة جعلته على مقربة من حدود الأردن، ولا مع استجابة الجماعات المسلحة نفسها للهدنة، التي يفترض أن ترفضها إذا كان تفسيرها صحيحاً، ولا مع التأييد الأميركي المعلن والذي سحب معه تأييداً أردنياً مشفوعاً بدعوة الجماعات المسلحة لوقف أنشطتها العسكرية وعملياتها والمقصود الإعلان عن وقف ما عُرف خلال شهر مضى بعملية الجبهة الجنوبية وما رافقها من كلام أميركي أردني عن نيات العمل داخل الأراضي السورية .
– يتزامن الفشل الأميركي في فرض أمر واقع عسكري جنوب سورية وقبول أميركا الهدنة السورية، ضمن قنوات الاتصال الروسية الأميركية، تزامن مع فرض الجيشين السوري والعراقي والحشد الشعبي أمراً واقعاً على الحدود السورية العراقية، جعل السعي الأميركي لوضع اليد على خط الحدود، مستحيلاً طالما أنّ الجماعات التي يعتمد عليها الأميركيون للتقدّم البري بغطائهم الجوي صارت جنوب خط انتشار الجيش السوري وشمال خط انتشار الحشد الشعبي، وما بين الجيش والحشد داعش فقط، ولا طريق للأميركيين بعد للدخول إلى منطقة الوسط التي صارت سورية عراقية صرفة، وصار واضحاً وجود الإرادة والقدرة على إسقاط وجود داعش فيها وصولاً لمعبري القائم والبوكمال، واكتمال الطوق على داعش في الميادين ودير الزور.
– الأضلاع الثلاثة التي بنى عليها الأميركيون خطتهم لإدامة الفوضى في سورية وإدارتها، قامت على إمساك جبهة الشمال في الحرب على داعش، لحاجة وجود داعش جنوباً لا القضاء عليه، والحفاظ على شرعية البقاء الأميركي بذريعة الحرب على الإرهاب وغطاء التعاون مع مكوّن سوري هو الجماعات الكردية، بوعد دعمهم بخطة الانفصال أما الضلع الثاني في الوسط فيقوم على إمساك الحدود السورية العراقية والتحكم عبر الحدود بالتواصل الاقتصادي والسياسي والعسكري بين البلدين، وإغلاق خط التواصل بين محور المقاومة وقاعدته الاستراتيجية التي تشكلها إيران أمام الضلع الثالث فهو إشعال جبهة الجنوب لفتح باب تفاوض عنوانه وقف الحرب في الجنوب مقابل انسحاب حزب الله، وفقاً لرؤية الأمن «الإسرائيلي» هناك.
– ليس هناك ما يوحي بأنّ التجاذب أو الكباش الأميركي السوري قد انتهى، ولا ما يشير إلى أنّ واشنطن قد أعادت النظر بخطتها لإدامة الفوضى وإدارتها لحساب الانخراط في سياسة التسويات التي يشكل عنوانها التمسك بوحدة التراب السوري. فكلّ ما تراجع عنه الأميركيون هو ما فُرض عليهم بالقوة، ولذلك تأتي عملية إسقاط الطائرة السورية جنوب الرقة، من قبل الأميركيين لتوصل رسالة مفادها أنّ التأقلم الأميركي مع معادلات الجنوب والوسط وسقوط ضلعين من المثلث الأميركي لا يعني التسليم بسقوط الثالث تلقائياً، فواشنطن تشعر بخروج الحرب على داعش من تحت إبطها لتصير مع انسحاب داعش نحو الميادين ودير الزور من جهة، وبعد إقفال الجيش والحلفاء لطرق البادية وإمساكهم بها من جهة ثانية، وتقدّم الجيش السوري وحلفائه على جبهة جنوب الرقة من جهة ثالثة، معركة الجيش السوري أكثر مما هي معركة الجماعات الكردية التي تريدها واشنطن مديراً حصرياً للحرب، للتحكّم بمساراتها، وإسقاط الطائرة يريد التذكير بهذه الحصرية، وهو ما لن تقبله سورية، وستردّ عليه كما يجب، وقد جاءت بدايات الجواب بالصواريخ الإيرانية البعيدة المدى التي استهدفت معاقل داعش في دير الزور، لتقول إنّ المعركة الفاصلة مع داعش التي ستكون دير الزور مسرحها، لن تكون معركة تخاض وفق الأجندة الأميركية…