كل المتحاربين على الحدود السورية ـ العراقية… ماذا بعد؟ د. عصام نعمان
المشهد بات واضحاً: كلّ المتحاربين في سورية والعراق أضحوا متواجدين على طول الحدود بين الدولتين وفي مناطق أخرى متفرقة، فماذا يمكن أن يحدث في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة؟
الولايات المتحدة متواجدة هناك براً وجواً. في البرّ لها قاعدة عسكرية قرب بلدة التنف السورية الواقعة على مسافة 18 كيلومتراً من الحدود الأردنية، وقد نقلت أخيراً الى داخل سورية منظومتين لراجمات الصواريخ من طراز «هيمارس» من مستودع أسلحتها الثقيلة في الأردن. في الجوّ لها طائراتها وصواريخها العاملة تحت مظلة «التحالف الدولي» والمنطلقة من حاملات طائراتها في البحر المتوسط ومن قاعدتها الجوية «انجرليك» في تركيا. الى ذلك، لأميركا قوات من مشاة البحرية داعمة لقوات «قسد» الكردية الناشطة في محافظة الرقة السورية، كما لها قوات برية في محافظة نينوى الموصل العراقية تضمّ ضباطاً بصفة «مستشارين» لمساندة الجيش العراقي.
روسيا متواجدة في سورية براً وجواً وبحراً أيضاً. في البر لها قاعدتان في حميميم وطرطوس تضمان قوات برية وطائرات حربية، كما لها كتائب عسكرية برية تدعم الجيش السوري في أنحاء متفرقة من البلاد. وفي البحر لها سفن حربية حاملة للطائرات المروحية وقاذفات الصواريخ، بالإضافة إلى قواعدها في البر الروسي القادرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى تقع سورية في نطاقها العملاني.
تركيا موجودة في مواقع عدّة شمال سورية، ولاسيما في جرابلس والباب وقرب منبج وعلى الحدود مع محافظة ادلب السورية، وهي لا تتوانى عن استخدام طائراتها الحربية المنطلقة من قواعدها الجوية في الداخل التركي.
إيران موجودة عسكرياً في العراق وسورية من خلال مجموعات من الضباط المستشارين الذين يساندون جيشيْ الدولتين في معظم المواقع التي تشهد معارك واشتباكات مع تنظيم «داعش». غير أنّ تطوراً لافتاً حدث قبل أيام، بحسب صحيفة «ازفستيا» الروسية، هو «أن تدفق الأسلحة الإيرانية الى القوات النظامية السورية بات سلساً بعد وصول القوات النظامية إلى الحدود العراقية عبر شق ممر لنقل الأسلحة عبر العراق في موقع يبعد 20 كيلومتراً من معبر التنف». كما نسبت وسائل إعلامية موالية للغرب إلى مواقع الكترونية إيرانية نشرَ صورٍ لجنود من «لواء فاطميون» الأفغاني ومعهم قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني قالت إنهم يحتشدون في منطقةٍ على الحدود العراقية – السورية.
كل المتحاربين، اذاً، موجودون وناشطون مباشرةً بقواتهم أو مداورةً بتنظيماتٍ تقاتل بالوكالة عنهم، فماذا يمكن أن يحدث في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة؟
دونالد ترامب وعد بالإعلان عن استراتيجية لأميركا خلال الأسابيع الستة المقبلة. لكن مؤشراتها ظهرت سريعاً بتحريك جيشه لمنظومة من راجمات الصواريخ «هيرماس» إلى داخل سورية، يقول ضباطٌ روس إن مداها لا يصل الى ميادين القتال في الرقة، وبالتالي فهي غير قادرة على دعم قوات «قسد» الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة وبالتالي لا يبقى لها من دور عملاني مفترض إلاّ ضرب القوات السورية الزاحفة لتحرير محافظة دير الزور من سيطرة «داعش» أو المتجهة إلى استعادة منطقة التنف.
ضباط أركان روس حذّروا الولايات المتحدة من مغبة الانزلاق الى قصف القوات النظامية السورية العاملة على مدى البادية السورية كلها من جنوب الرقة شمالاً الى منطقة التنف جنوباً. التحذير الروسي تزامن، ربما بشكل مقصود، مع كشف صحيفة «ازفستيا» واقعة تدفق الأسلحة الإيرانية عبر ممر على الحدود العراقية السورية يبعد 20 كيلومتراً من معبر التنف. كلّ ذلك في وقت يبدو قاطعاً تصميم الجيشين السوري والعراقي على إحكام سيطرتهما على الحدود بين الدولتين من الشمال إلى الجنوب.
هذه التطوّرات المتسارعة تطرح سؤالاً ملحاحاً: ما جدوى بقاء الأميركيين في منطقة معبر التنف الحدودي ما دام الجيشان السوري والعراقي آمّنا معبراً سالكاً الى الشمال منه يمكّن إيران من نقل أسلحتها الى الجيش السوري والى التنظيمات المساندة له؟
لا يغيب عن أذهان المراقبين أن إدارة باراك أوباما كانت وعدت «إسرائيل» بدعم التنظيمات الإرهابية المقاتلة في سورية بما يؤدي إلى تقسيمها أو، أقلّه، إلى تقاسم السيطرة والنفوذ فيها على نحوٍ يُضعفها فلا يعود في وسعها كدولة سيدة أن تبقى متحالفة مع إيران أو قادرة على إمرار الأسلحة منها إلى تنظيمات المقاومة اللبنانية حزب الله والفلسطينية حماس وبالتالي عاجزة عن احتضان قواعد صاروخية إيرانية مُهدِّدة للكيان الصهيوني.
لا غلوّ في القول إن المخطط الأميركي آنف الذكر بات غير قابل للتحقيق بعد تقدّم الجيشين السوري والعراقي في عملية السيطرة على حدود الدولتين. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن إدارة ترامب قد أسقطت المخطط المذكور من حسابها إذ من الممكن، خلال قيامها بوضع استراتيجية جديدة للشرق الأوسط، أن تعيد إحياء المخطط القديم الرامي الى تقسيم سورية. ذلك يتمّ باعتماد سياسة حكومة نتنياهو التي تدعو الى وقف محاربة «داعش» والتعاون معه بغية محاربة الجيش السوري وحلفائه للحؤول دون ترسيخ نفوذ إيران في سورية.
غير أنّ أمراً لافتاً حدث أخيراً هو قيام الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بالدعوة الى بحث الحالة في الجولان ضمن «العملية السياسية» الجارية في سورية، وذلك بالتزامن مع «تأهب» القوة الدولية «اندوف» المنتشرة هناك «لزيادة متوقّعَة في عملياتها» في المرحلة المقبلة، واستعدادها لنشر كتيبة مشاة آلية خلال أسابيع قليلة في الجزء الشمالي من منطقة الفصل.
هل تحرّك غوتيريش بإيعاز من واشنطن يشي بتعذّر تنفيذ مخططها آنف الذكر، أم بتشجيعٍ من دول الاتحاد الأوروبي التي لا تشاطر الولايات المتحدة سياستها العدوانية في سورية والعراق؟
ثمّة صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال قبل اتضاح توجهات القوى المتحاربةً المحتشدة على طول الحدود السورية العراقية…
(البناء)