مقالات مختارة

في غياب استراتيجية أقوياء على حماس: ألون بن دافيد

 

هذا الاسبوع تبين حقا أنه “قوي على حماس″. فالرجل الذي لم يتجرأ على الاقتراب من قطاع غزة منذ أكثر من عقد، والذي يحرص على إدارة قدميه عن جنين وطولكرم، وبالكاد يدير رام الله، تبين كمن يتجرأ على الوقوف في وجه حماس ومستعد لان يقاتل ضدها حتى آخر الجنود الاسرائيليين. وزراء الكابنت خاصتنا، الذين لا يوفرون عنه كل يوم الهزء والشتائم، ساروا على الخط كرجل واحد الى جانب ابو مازن وربطوا اسرائيل كلها في كفاحه السياسي الداخلي. بقعة الضوء الوحيدة في الظلام الذي فرضناه على القطاع هذا الاسبوع كانت الاغلبية التي تبينت في الكابنت لاقامة ميناء في غزة .

بعض الترتيب في المعطيات التي يخيل لي ان الكثير من الاسرائيليين لا يعرفونها: لسنا نحن من نمول الكهرباء التي تورد الى قطاع غزة. فاسرائيل تقتطع كلفة الكهرباء من اموال الضرائب التي تحولها كل شهر الى السلطة الفلسطينية (نحو 40 مليون شيكل في الشهر). وطلب محمود عباس أن نقلل الكهرباء التي تنقل الى غزة بـ 40 في المئة والا نجبي الا 25 مليون من المال الذي يحول اليه. والمعنى هامشي ظاهرا. ففي الاشهر الاخيرة “تمتعت” غزة بأربع ساعات في اليوم. معظم القطاع لم تتمكن من الاستحمام في المياه الساخنة في الشتاء الماضي. وفي اعقاب قرار الكابنت فان الاربع ساعات ستقل الى ثلاث ساعات وربع من توريد الكهرباء. ولكن يمكن لحماس الان ان تتهم اسرائيل بالضائقة واذا ما تفاقمت – يمكنها أيضا ان تقنع سكان غزة بالحاجة الى الخروج الى حرب اخرى ضدنا.

الجيش والمخابرات الاسرائيلية يفهمون جيدا حجم الرهان، ولا يزال، بقصر نظر شديد، أيدوا القرار بالفم الملآن. حاولت أن استوضح مع الاشخاص الذين اوصوا تقليص الكهرباء، ما هو السيناريو المثالي من ناحيتهم. هي يعتقدون ان في اعقاب الضغط فان حماس ستضع المفاتيح وتدعو ابو مازن للعودة الى غزة؟ هل يؤمنون بأنه سيكون للسلطة في اي مرة مكانة في القطاع؟ هل كانوا على ما يكفي من الاستقامة كي يعترفوا أن لا. في اقصى الاحوال يأملون بان يوافق احد ما آخر على تمويل الكهرباء.

منذ يوم الاثنين تتطلع كل العيون الى اللواء يوآف فولي مردخاي، منسق اعمال الحكومة في المناطق، كي ينقذنا من أنفسنا ومن القرار الذي عمل عليه هو نفسه. فهو يجري مكالمات هاتفية مع اوروبا ومع الاصدقاء الجدد في العالم العربي على أمل أن يهرعوا لنجدة غزة. ولكن هو ايضا يتذكر كيف انه بعد الجرف الصامد عقد مؤتمر وعدت فيه عشرات الدول في التبرع بـ 4 مليار دولار لاعمار غزة. اما غزة فلم ترى بعد 10 في المئة من هذا المال.

ينبع وقوف الجيش والمخابرات الاسرائيلية الى جانب ابو مازن من غريزة مفهومة: حماس تعتبر عدوا والسلطة الفلسطينية شريكا. اضافة الى ذلك، انضمت الى هذا الان الريح الجديدة التي تهب في العالم العربي ضد حماس وقطر، فما الذي هو اكثر طبيعية من انضمامنا الى المعسكر السني؟ سيسر هذا المعسكر ان يرانا نقاتل مرة اخرى ضد حماس ونضربهم – غير أن من سيدفع الثمن بدمه هو نحن.

السلطة الفلسطينية هي بالفعل شريك في الكفاح ضد شبكات حماس في يهودا والسامرة، إذ ان هذه مصلحتها هي ايضا. ولكنها لا تزال، صحيح حتى هذه الايام، تواصل دفع المخصصات لعائلات المخربين. ليس واضحا لي لماذا ملح لنا أن نزيد تمويلها على حساب سكان غزة.

الناس في القفص

في غزة اقيمت قبل عقد دولة حماس. هي دولة عدو، وهي غير ناجحة على نحو خاص ايضا، ولكنها تدير مليوني نسمة ومنذ الجرف الصامد تثبت ايضا بان ادارتها عقلانية. حماس لا تطلق حتى ولا رصاصة او صاروخ واحد منذ نحو ثلاث سنوات. في كل واحدة من الـ 49 حالة من اطلاق الصواريخ نحو اسرائيل في هذه الفترة – عملت حماس ضد مطلقي النار. لقد كانت حماس وستكون عدوا مريرا لاسرائيل، ولكن مصلحتها اليوم هي حفظ السيادة الوحيدة القائمة للاخوان المسلمين في العالم العربي.

وصف معظم المحللين في اسرائيل تعيين يحيى السنوار رئيسا لحماس في غزة كإشارة على أن الحركة تعود الى خطها الكفاحي. فالسنوار، الذي يصفه محققوه كرجل قوي وفهيم، على علم بان التوقع منه هو أن يقود كارهابي. ومنذ تسلم مهام منصبه فانه يتصرف بالذات كمن مهم له أن يظهر كسياسي. وفي مواجهة العداء المتزايد في العالم العربي، يحاول السنوار الوصول الى تفاهمات مع العالم العربي وعلى رأسها مصر.

نشأ في العقد الاخير شرخ عميق بين غزة والضفة. فالشرخ الاجتماعي – الثقافي كان موجودا دوما ولكنه تبين الان عمق الشرخ السياسي، الذي لم يعد قابلا للرأب. فأي مصلحة لاسرائيل ان تجتهد وان تعيد من جديد الربط بين هاتين الارضين الاقليميتين؟ فهل نؤمن حقا بان ابو مازن يمكنه أن يمثل “الشعب الفلسطيني” بما في ذلك حماس في غزة ايضا؟

المشكلة الاساس، مثلما أجاد في صياغتها الوزير يسرائيل كاتس هي ان ليس لاسرائيل استراتيجية تجاه غزة. فالزعامة الاسرائيلية، بتبطل شخصياتها، غير قادرة على أن تعرف ما هي طبيعة العلاقات التي تريدها اسرائيل تجاه غزة، وهكذا فاننا نجد انفسنا نخدم مصالح غريبة. هذا لم يبدأ في عهد نتنياهو، ولكنه تفاقم.

غزة هي قفص لمليوني انسان بنيناه نحن. صحيح أننا لا نحتل ارضهم، ولكن حين قررنا أن الغزيين لا يمكنهم ان يطيروا، يبحروا أو يسافروا عبر البر الى اي مكان – فاننا أخذنا على أنفسنا مسؤولية اطعام الناس الذين في القفص. في كل صباح ندخل الف شاحنة تموين الى غزة: غذاء، وقود، اسمنت (يوجه قسم منه الى الانفاق)، حديد (يوجه قسم منه الى الصواريخ) – فلماذا نختار نحن تحمل هذه المسؤولية؟ قريبا لن يكون ماء شرب في غزة وعندها سيتعين علينا ايضا أن نسقي مليوني نسمة.

أخيرا تفضل نتنياهو هذا الاسبوع بالسماح بنقاش اقتراح يطرحه كاتس لبناء ميناء في غزة، الاقتراح الذي حظي بتأييد لا لبس فيه من الجيش. ففي امكانية لان يبعد كثيرا المواجهة التالية في غزة وان يملي انفصالا بينها وبين الضفة الغربية، قبل لحظة من هبوط الامريكيين هنا مع مسودة اتفاق، لا يبدو انها ستكون مريحة. ستة من وزراء الكابنت اعربوا عن تأييدهم للاقتراح. أما نتنياهو وليبرمان فأوقفاه.

لماذا يؤيد وزراء البيت اليهودي الفكرة؟ هل هم مؤيدون لحماس؟ فهم ايضا يرون الامكانية السياسية الهائلة الكامنة في خلق فصل بين الفلسطينيين. ليس لاسرائيل اي مصلحة لتأييد الربط بين غزة ويهودا والسامرة. لا سبيل لثبيت سياسة واحدة لهذين الارضين الاقليميتين. ولكن مشكوك ان يكون للزعامة الاسرائيلية الحالية نضج لاتخاذ قرار استراتيجي. فمريح أكثر التعلق بارادات أحد ما آخر.

وبالتالي بانتظارنا في هذه الاثناء اسابيع متوترة مع غزة، على أمل ان يمد احد ما الحبل للنزول عن شجرة القرار الاخير. نحن يمكننا أن نقاتل غزة مرة في السنة، بما في ذلك صباح غد. فهم لن يهزمونا، لن ينتصروا علينا، وسيؤلمهم أكثر. ولكن اذا ما أدت قراراتنا الى مواجهة اخرى وزائدة هذه السنة – ماذا سنقول لعشرات العائلات الذين سيضحون بابنائهم في هذه الحرب. هل سقطوا كي يعززوا ابو مازن؟

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى