بقلم غالب قنديل

العيوب المستمرة رغم النسبية

غالب قنديل

بعد تسجيل التقدم المهم الذي أنجز باعتماد النظام الانتخابي النسبي وبتحرير التمثيل النيابي من قيود الإلغاء الأكثري وهي نقلة جيدة ومهمة في الحياة الوطنية تسجل لعهد الرئيس ميشال عون وتلاقت على إنجازها القوى والأطراف السياسية المشاركة في السلطة سواء من الآباء الفعليين للخيار النسبي يتقدمهم حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر وحلفاؤهم من سائر القوى الوطنية اللاطائفية او ممن رضخوا للخيار النسبي واوقفوا اعتراضهم العنيد والشديد على اعتماده لصون مصالحهم المبنية على النظام الطائفي والأكثري وبصورة أساسية كل من المستقبل والتقدمي والقوات الذين لعبوا دورا أساسيا في الانتقال إلى النسبية وفي القيود التي أغرقت بها.

من واجب دعاة التغيير الحقيقيين في البلاد ان ينصرفوا إلى الدراسة النقدية لمشروع قانون الانتخاب الذي يرجح صدوره ونشره رسميا خلال الأيام القليلة القادمة لمباشرة صياغة جدول أعمال جديد يجب ان تركز عليه الحملات الانتخابية للمرشحين المنتمين إلى القوى اليسارية اللاطائفية في الانتخابات المقبلة وانطلاقا من انتقاد النص الجديد لقانون الانتخاب بمعيار المواطنة يمكن تحديد المهام السياسية الإصلاحية للسنوات المقبلة.

أولا عدم خفض سن الاقتراع يمثل علامة تخلف ورجعية فعدم اعتماد سن الثامنة عشرة للاقتراع سيقصي فئة مهمة من الشباب عن المشاركة في الحياة العامة وفي صياغة الخيارات الوطنية الكبرى في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي شريحة فتية وشابة في مجتمع يعتبر فتيا بالأصل استنادا إلى معدل الأعمار وفق الدراسات الاجتماعية العلمية.

ثانيا شكل تفصيل الدوائر الانتخابية خللا ملازما لقوانين الانتخاب اللبنانية منذ عقود وهي عملية شابتها دائما مصالح سياسية وطائفية وهذا العيب مستمر في القانون الجديد وعلى الرغم من التشديد المتواصل على وحدة المعايير فإن تقسيم الدوائر الانتخابية لجهة عدد المقاعد وعدد الناخبين يخرق مبدأ المعايير الواحدة وقد تمت فيه مراعاة حسابات ومصالح سياسية وطائفية تمثل إخلالا جسيما بمبدأ المساواة في المواطنية الذي يمثل روح الدستور اللبناني.

ثالثا خلافا لاتفاق الطائف وللمادة 95 من الدستور وعلى الرغم من أهمية إدخال النسبية في النظام الانتخابي يستمر العيب الموروث عن حقبة ما بعد الطائف وهو خرق إلزامية السير في تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية ولتحضير الانتقال إلى نظام المجلسين مع تحرير المجلس النيابي من القيد الطائفي وهذا أمر ينتظر المبادرة التي نأمل ان تكون على جدول أعمال المؤسسات الدستورية والرئاستين الأولى والثانية بالذات بعد إنجاز النسبية الأولي فلا يبقى الأمر وعدا مؤجلا لعقود مقبلة كما هو منذ عام 1943 بينما تتصاعد نغمات نافرة ومنفرة تميل إلى ترسيخ البعد الطائفي وتأبيده في النظام اللبناني بذرائع شتى تقود إلى إعدام الأمل بقيام دولة مدنية غير تمييزية.

رابعا تضمن مشروع القانون نصوصا مهمة في تنظيم العملية الانتخابية وحول صلاحيات الهيئة العليا للإشراف على الانتخابات وستكون العبرة في دقة التطبيق فلا تبقى النصوص حبرا على ورق كما جرى في انتخابات عام 2009 رغم تحرك خبراء الهيئة لضبط الفلتان الإعلامي والسياسي وتسجيل تقريرهم الشامل لتجاوزات وخروقات ارتكبها قادة سياسيون وروحيون وكانت مبادراتهم شجاعة على هذا الصعيد في حين أهملت تقارير الهيئة بعد الانتخابات وخصوصا ما يتعلق في شكاوى المال الانتخابي وهذا يفترض التشدد في مراقبة إنفاق المرشحين وتدقيق الحسابات المالية لوسائل الإعلام من لحظة صدور القانون.

خامسا تم في الانتخابات السابقة شل دور المجلس الدستوري في تلقي ودراسة الطعون ولن تستقيم العملية الانتخابية وفق الأصول ما لم يجر تنشيط دور المجلس وتحصينه بوصفه المرجعية الحاسمة في النزاعات حول المخالفات والنتائج وهذا أمر يرتبط بوجود إرادة سياسية واضحة على مستوى سائر مرجعيات السلطة التنفيذية والقضائية التي ستشرف على الانتخابات.

سادسا إن موضوع الكوتا النسائية برغم ما فيه من جدال وسجال كان سيفرض الانتقال إلزاميا إلى تفعيل ترشيح النساء إلى الانتخابات النيابية وهو ما لم يتضمنه القانون الجديد ومن الضروري الآن قيادة حملة سياسية إعلامية تحث على تضمين سائر اللوائح مرشحات إلى المقاعد النيابية وتوسيع نطاق فرص تمثيل المراة في المجلس الجديد وهذه ستكون مهمة رئيسية على عاتق جميع القوى السياسية الساعية لتطوير التمثيل السياسي والنيابي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى