بقلم ناصر قنديل

كيمياء بوتين ماكرون… وسورية

ناصر قنديل

عندما تتحدّث الدوائر الروسية القريبة من الرئيس فلاديمير بوتين عن كيمياء اكتشفها في علاقته بزعيم سياسي دولي، لا يلبث أن يظهر أنّ لهذا الزعيم موقعاً على خارطة الشطرنج التي يديرها اللاعب المحترف بوتين، وأنّ هذا الدور يبدأ من قراءة تأثير هامّ لهذه الدولة في ملف رئيسي على جدول أعمال روسيا، وأنه دور يرسم بنفس طويل وقدرة على تحمّل الخصومة والأزمات، ولكن معها قدرة على التسامح ومنح الفرص، وأنّ الأساس مبني على قراءة هادئة لمصالح الدولة ومكانة الزعيم الراسخة فيها، وعلى المسارات التي ستفرضها روسيا للملف الذي تريد شراكة فيه، وقراءة لتكيّف الزعيم المعني مع المتغيّرات وقدرته على أخذ بلده بقوة تأثيره نحو الخيارات التي يراها تقاطعاً بين مصالحه وطموحاته نحو الزعامة التاريخية وترك البصمة التي يبحث عنها من جهة، وبين مصالح بلده والقوى المؤثرة فيها، من جهة أخرى .

حدث هذا مع الرئيس التركي رجب أردوغان ويحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وفي حالة أردوغان لم تكن البداية بتلاقي السياسات الروسية والتركية تجاه القضية المحورية في السياسة الخارجية للبلدين، وهي الحرب في سورية، بل بدأت العلاقة الكيميائية بين بوتين وأردوغان، وهي هنا تعني تطلعاً روسياً لجذب تركيا للعب دور، فيما كانت تركيا تقود محور الحرب على سورية بوجه الضفة التي تقف عليها روسيا وتتصدّرها. وعندما وقع التصادم بقرار تركي، بدا بوتين حازماً وحاسماً، لكنه لم يلبث أن أظهر التسامح وفتح الباب لطيّ الصفحة، وتقديم المغريات لفتح الباب أمام الدور الجديد.

بحكم الجغرافيا الشرق أوسطية تبدو رؤية بوتين متّجهة نحو إنشاء شراكتين استراتيجيتين في إدارة الحلّ في سورية، واحدة بثنائية تركية إيرانية تنطلق من أستانة، تدير الملف الأمني بأبعاده السياسية والعسكرية، منعاً لتقسيم سورية وتمهيداً لدمج الجماعات المسلّحة التي ترعاها تركيا في حلّ سياسي ينتهي بحكومة موحدة في ظلّ الرئيس السوري بشار الأسد تمهيداً لدستور جديد وانتخابات نيابية ورئاسية، وفقاً للقرار الأممي 2254. أما الثانية التي لا تزال في البدايات، وتحتمل كالأولى مرور أزمات وخلافات، لكنها مفتوحة الأبواب لاحقاً على التسامح وطيّ الصفحة وفتح الباب للدور الجديد، فتدور حول ملفات إعادة الإعمار وعودة النازحين، وهي ثنائية فرنسية صينية، فالتمويل الذي يفرضه ملف الإعمار واللاجئين، بأهميته الاقتصادية والأمنية لأوروبا، وفرنسا في قلبها، لا يملك الخليج المفلس والمنقسم قدرة تقديمه، ولا يمكن التفكير به من دون التطلّع نحو الصين، وفرنسا التي تتذمّر من غياب الرؤية الأوروبية وتشتت قواها واهتماماتها، ومن الضعف السياسي الأميركي تتطلع لحجز دور ومقعد، وترى الخليج وما يعانيه والمعارضة وانقساماتها، وليست مضطرة للدخول في حقل ألغام البحث السياسي المباشر بشروط حلّ قد يبعدها اليوم عن حلفائها، لكنه سيجعلهم يلحقونها إنْ أنشات طاولة تشبه طاولة أستانة مفتوحة الأفق على مسارات التفاوض المقرّرة التي تبقى في جوهرها روسية أميركية.

ماكرون يدرس الدعوة لمؤتمر دولي إقليمي سوري حول الإعمار واللاجئين، تستضيفه باريس وتشارك فيه الحكومة السورية وشخصيات من القطاع الخاص معارضين وموالين، وخبراء، والأمم المتحدة وهيئاتها، والدول المانحة من أوروبا والخليج واليابان والصناديق والبنوك العالمية المعنية، لكن مع الصين، وما يستدعيه هذا الدور يبدأ بفتح السفارة الفرنسية في دمشق، والإفادة من عائدات ذلك في الحصول على تعاون سوري في ملف الإرهابيين من أصول فرنسية الذي يضغط على باريس كحاجة ملحّة، ولا يفترض أن تكون هناك مشكلة إن اعتمدت فرنسا خطاباً دبلوماسياً يتناسب مع دور مقبول من كلّ الأطراف المعنية بالأزمة السورية لتحفظ لنفسها هذا الدور.

بداية كيمياء بين بوتين وماكرون تنتج تفاعلاً في سورية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى