فرنسا: الثورة التي على الطريق: الداد باك
اربعة فقط من بين مرشحي الاحزاب المختلفة، ضمنوا انتخابهم للمؤتمر القومي الفرنسي في جولة التصويت الاولى في الانتخابات العامة. من بين 577 نائب في البرلمان تم انتخاب اربعة فقط. الصراع على باقي المقاعد مفتوح، وسيتم حسمه بعد اسبوع. ولكن يمكن القول الآن إن حزب الرئيس الجديد عمانوئيل مكرون سيحصل على الاغلبية المطلقة وسيمنح حرية العمل لتطبيق خططه الاصلاحية الواسعة، وخاصة الاصلاحات الملحة لقوانين العمل التي ستسمح لاقتصاد فرنسا بالخروج من الازمة الصعبة .
لكن حتى لو كانت التوقعات حول الانتصار الساحق لحزب “التقدم” الفرنسي ستتحقق، يجب التعاطي مع “ثورة مكرون” بحذر كبير. المشهد الحقيقي لجولة التصويت الاولى كان حقيقة أن اكثر من 50 في المئة امتنعوا عن الذهاب الى صناديق الاقتراع. أي أن نتائج الانتخابات تعبر عن نصف السكان في فرنسا فقط، وحتى لو زادت نسبة التصويت في الجولة الثانية فيمكن للخاسرين الادعاء أن تركيبة البرلمان الجديد لا تعبر عن رأي الاغلبية. الاحزاب التي توجد على الهوامش – “الجبهة القومية” من اليمين و”فرنسا المتمردة” – بدأت في تأجيج مشاعر مؤيديها من خلال عدم شرعنة المجلس القومي الذي لم يتم انتخابه بعد. في الاسبوع القريب ستكون احزاب المعارضة منشغلة بالتجنيد العام الذي يهدف الى تقليص سيطرة حزب مكرون على البرلمان بقدر الامكان. وبعد ذلك سينتقل الصراع الى الشارع – هناك شرعية الرئيس وحزبه بعيدة عن أن تكون مثل نتائج انتخابات البرلمان أو مثل التعاطي الايجابي من قبل وسائل الاعلام.
المعطيات تتحدث عن نفسها: في جولة الانتخابات الاولى للرئاسة، حصل مكرون على 24 في المئة فقط من اصوات الناخبين. وكان الحديث عن انجاز لافت اذا اخذنا في الحسبان حقيقة أن من وراء هذا الشاب لم يكن حزب منظم وممأسس. وفي جولة التصويت الثانية حصل مكرون على اغلبية 66 في المئة، لكن يمكن مقارنة هذه النتيجة مع 82 في المئة حصل عليها جاك شيراك في العام 2002. في الحالتين كان هناك تجند عام للاحزاب الممأسسة لمنع انتخاب مرشح أو مرشحة “الجبهة القومية” للرئاسة. مكرون لم ينجح في تكرار انجاز شيراك وخلق اجماع كامل تقريبا حوله. إن قدرات المرشح “الخارجي” غير المعروفة، صاحب التجربة القليلة في السياسة والذي ليس له حزب، جعلت الكثيرين يعتبرونه بديلا ملائما للمؤسسة السياسية العفنة والفاسدة. حسب رأي الكثير من الفرنسيين، هذه الافضليات تعتبر نواقص، لا سيما أن خصومه أوجدوا الانطباع لدى ناخبيهم بأن موظف البنك الشاب والجميل هو تابع للمؤسسة السياسية والمالية وجاء ليحافظ على بقاء السلطة في أيدي النخبة التقليدية. وكما هو معروف، فرنسا الآن تغرق بنظرية المؤامرة.
إن موجة “المكرونية” التي تغرق فرنسا بعيدة عن أن تكون حماسة جماهيرية شاملة. إن نجاح مكرون في تحطيم الخارطة السياسية واضعاف وتحطيم الاحزاب القديمة وملء البرلمان باعضاء لهم خبرة قليلة ولديهم الحماسة في تغيير الواقع في بلادهم، من شأنه أن يضع فرنسا على خطوط ايجابية – اذا عرف الرئيس كيفية استخدام الديناميكية التي أوجدها بنفسه. واذا كانت له خطة واضحة لتغيير وجهة فرنسا. في الاسابيع الخمسة التي مرت منذ دخوله الى قصر الاليزيه نجح مكرون في تأكيد انطباع أنه ليس فقط شاب جميل، بل هو سياسي مصمم وصاحب مواقف متشددة. لم يتردد في الاظهار لبوتين وترامب أنهما لا يستطيعان الاستخفاف به، ولم يتمتنع ايضا عن توبيخهما.
بعد أن يتم تشكيل البرلمان نهائيا في فرنسا، سينتقل الاهتمام من الساحة الدولية الى حقل الالغام القاتل للسياسة الداخلية. وفي الصيف القريب ستحاول حكومة مكرون اجراء تعديلات على حساب حقوق العمال في فرنسا، لكنها ستعيد لفرنسا قدرة المنافسة الصناعية. خصوم مكرون من اليسار ومن اليمين سيصورون الرئيس على أنه ذراع تنفيذية لارباب المال وسيحاولون تأجيج الشارع. عندها سيكون امتحان القيادة الاول للرئيس.
اسرائيل اليوم