بقلم ناصر قنديل

أزمة قطر أخطر على السعودية من حرب اليمن

ناصر قنديل

بدأت علامات المراوحة في الأزمة الناشئة بقرار سعودي بفرض الحصار على قطر تميهداً لإسقاطها سواء بالانقلاب أو بالاحتلال أو بكليهما، فقد نجحت قطر بامتصاص الوجبة الأولى من الحرب، ونجحت بتأمين عناصر المراوحة، وحشد مواقف تحصنها ضد الغزو العسكري بانقلاب صوري أو بدونه. وصار العنوان هو شكل التسوية والتفاوض وصولاً لها، وهو عنوان لصالح قطر في جعل الحصار من يوميات الأحداث، وجعل التعايش مع خبر الأزمة أمراً اعتيادياً داخل قطر وخارجها .

للوهلة الأولى يظنّ كثيرون أن ما ظنه محمد بن سلمان عندما اتخذ قرار الحرب على قطر أن التغطية الأميركية و»الإسرائيلية» كافية للقول إن الحرب انتهت، والباقي خطوات تنفيذية لأيام متسلسلة مرسومة في ذهن بن سلمان. ويتناسى هؤلاء ما نسيه بن سلمان وهو أن مثل هذه التغطية توافرت له في حربه على اليمن، وفقاً للسيناريو ذاته في مخيّلته لأيام وأسابيع وها هي تنهي سنتين ونصفاً ولم تنته، ولا يبدو في الأفق أن لها نهاية.

كل الفوارق بين حالتي اليمن وقطر لصالح تحول أزمة قطر إلى ما هو أخطر من حرب اليمن على السعودية، فعدو السعودية في اليمن طرف فقير لا يستطيع شراء ذمم المسؤولين في الغرب، ولا ينتمي لمنظومة الارتباطات والمصالح ذاتها التي تنتمي إليها السعودية، فيخيف التعامل معه على المصالح الكبرى بمثل ما يفعل التفكير بالتعامل مع فريق مقاوم كأنصار الله، بينما في المجالين قطر مصدر إغراء، وفي الحالين ليست القضية خطر تدخل إيراني يعرف السعوديون أنه غير وارد، بل في حال قطر خطر صار حاضراً بالتدخل التركي على خلفية اعتبار تركيا إسقاط قطر إحكاماً للطوق على عنقها في ماراتون المسافات الطويلة من السباق بينها وبين السعودية على حجز المقعد الأول مقابل إيران في النظام الإقليمي.

في حالة اليمن التعايش مع الحرب بلا أفق تحقيق نصر استنزاف عسكري ومالي وبشري ومعنوي، لكن التعايش مع الأزمة القطرية من دون أفق حسم لصالح السعودية يعني التهيئة لتسوية شكلية يعرف الفريقان أنها هدنة لحرب باردة معلنة سيستعمل فيها المال والإعلام والإرهاب والدبلوماسية. ولكل منهما رصيد كافٍ لخوض هذه الحرب لمحاولة إسقاط الآخر من الداخل بعد محاولة حصاره وشيطنته في الخارج. وسيشهد الخليج حراكاً لم يعرفه من قبل في السعي لاستقطاب كل طرف لكل خصوم الآخر وتمويلهم وتجنيدهم وتنظيمهم وتفعيلهم، وستكون جولات وجولات، وما كان يريده السعوديون تأديباً لغير قطر بالعبرة مما حلّ بها سيتحوّل نموذج قطر تشجيعاً لتكرار شق عصا الطاعة.

المساكنة مع جمر الأزمة القطرية حريق متواصل، ستستفيد منه قوى تقف على طرف الخصومة مع السعودية وقطر معاً، ستستفيد إيران وسورية وتستفيد القوى الوطنية في اليمن والبحرين وستتناحر حتى الموت الجماعات القطرية والسعودية في سورية، وسيبذل المال على استقطاب الإعلام الأوروبي والأميركي وصولاً للبناني في هذه الحرب هنا وهناك. وسيبدو أن نار الحروب التي أنهكت المشرق قد آن لها أن ترتاح لأن ساحة الخليج قد صارت هشيماً مستعداً لتقف كرة النار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى