الأزمة الخليجية وتداعياتها محمد نور الدين
جاء انفجار العلاقات بين المملكة السعودية ودولة الإمارات والبحرين، من جهة، وقطر من جهة أخرى، مفاجئاً إلى حد ما. إذ إنه أعقب القمة الأمريكية- الخليجية، كما القمة الأمريكية- الإسلامية.وكان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ممثلاً فيها، ولم يظهر على أن هناك ما يعكس خلافات عميقة .
انفجار الخلاف جاء بعد تصريحات لأمير قطر ، تضمنت إشارات ودية إلى إيران، وحماس، وحزب الله، وانتقاداً لمواقف بعض الدول الخليجية. سرعة توقيت هذه التصريحات، كما سرعة الرد الخليجي كانت محيرة للمراقبين. وفي لحظة ترقّب الخطوات العملية لترجمة مقررات القمة الأمريكية- الإسلامية ضد إيران، كانت التطورات تسير في اتجاه معاكس، والحلف الذي كان مقدراً أن يكون نواة عسكرية ل«ناتو إسلامي» واجه تحدياً كبيراً قبل أن يبصر النور.
من الواضح أن الدور الإقليمي، وعلى الصعيد الدولي، الذي قامت به الإمارة الصغيرة جغرافياً وسكانياً كان مثار جدل واسع وتساؤلات، كيف يمكن لها أن تقوم بهذا الدور من دون أن تمتلك مواصفات الدولة الإقليمية الكبرى، سوى أنها تملك المال ومحطة تلفزيونية.
الأقرب إلى التوصيف أن هناك «انتفاخاً» اصطناعياً لهذا الدور بمساعدة وتوجيه من القوة الأولى في العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتمدت قطر قاعدة عسكرية هي الأكبر لها في منطقة الشرق الأوسط. وبالمناسبة، فإن «إينجيرليك» في تركيا هي قاعدة تركية يستخدمها تبعاً، لاتفاقات، حلف شمال الأطلسي وليست قاعدة أطلسية، أو أمريكية.
لا يمكن تجاهل أن القمم الثلاث في الرياض قد وضعت السعودية في موقع متقدم أول في المعادلات الجديدة. وهذا برأينا كان مثار إزعاج، وعدم ارتياح للعديد من الدول. وإذا كان عدم الارتياح الإيراني طبيعياً وبديهياً، فإن الأهم هو الموقف داخل دول إسلامية أخرى، خصوصاً تركيا التي غاب رئيسها رجب طيب أردوغان، ورئيس وزرائها بن علي يلديريم عن قمة الرياض، واكتفيا بإرسال وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو.
فالتدابير من جانب السعودية ومصر والإمارات وغيرها ضد قطر عكست على الأقل «أسفاً» لدى أنقرة، وفق تعبير البيان الصادر عن وزارة الخارجية التركية، ودعوة للحوار ووحدة الصف.
لكن الواقع على الأرض أن تركيا ترتبط مع قطر بعلاقات استراتيجية. وقد شكل الطرفان جناحي الرعاية والاحتضان لجماعة «الإخوان المسلمين» المصنفة في السعودية والإمارات ومصر إرهابية. كل قيادات الإخوان المسلمين موجودة في قطر، وفي تركيا. كذلك فإن قطر هي القاعدة السياسية والمالية الوحيدة لتركيا في منطقة الخليج العربي، بل كذلك العسكرية، حيث تقيم قاعدة عسكرية تشكل بكل معنى الكلمة استفزازاً للسعودية والإمارات العربية المتحدة. لذا فإن الأتراك ينظرون بعين القلق لما يجري ضد قطر، والخشية من خسارة المعقل التركي الأخير في الخليج.
لكن هناك نقطة أخرى مثيرة للاهتمام، وهي أن مصر غير الخليجية انضمت للسعودية والإمارات في التدابير ضد قطر. وهذا ينقل الكلام إلى مستوى آخر، وهو أن مصر ليست بلداً ملحقاً بالسعودية، بل لها من الأسباب التي تدفعها للانضمام إلى السعودية والإمارات في هذا الخلاف مع قطر. إذ إن الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي ركز في كلمته في قمة الرياض على خطر الإخوان المسلمين، والدول التي ترعاهم، وكان يقصد تركيا وقطر. وبعد انتهاء القمة كانت حادثة قتل الأقباط في المنيا، ومن ثم الغارات المصرية على درنة. مقتل الأقباط كان في نظر مصر رسالة قطرية – تركية رداً على مواقف السيسي. وبالتالي فإن الأزمة الراهنة ليست خليجية- خليجية فقط، بل أيضاً خليجية – تركية ومصرية – تركية. وهذا يعني في المحصلة أن لهذه الأزمة تأثيرات تتجاوز الجغرافيا الخليجية لتطال المعادلات في الشرق الأوسط ككل، وتفتح على مسار جديد من التوترات التي سيحاول كل طرف أن يحسمها لمصلحته، ويكون الإخوان المسلمون ورعاتهم من قطر إلى تركيا في دائرة الاستهداف المباشر.
(الخليج)