القيادة الاسرائيلية السياسية والعسكرية في حرب الايام الستة: عوزي برعام
لو أن شابا قام بقراءة ما كتب في الصحف الاسرائيلية في الايام الاخيرة، أو استمع لرؤساء البيت اليهودي، كان سيتوصل الى استنتاج أن حرب الايام الستة لم تكن سوى تحقيق هدف تم التخطيط له مسبقا. وكان سيقول لنفسه لقد خرجنا الى حرب محدودة، إلا أن القيادة وضعت لنفسها أهداف. وفي الاماكن التي كانت فيها الاهداف غامضة، تدخل الخالق وقام بايقافها .
كان الشاب سيقرأ أن الحرب سعت الى تحرير اسرائيل من حدودها الضيقة، واعادة الاسرائيليين الى ارض الآباء التي انتظر الشعب اليهودي آلاف السنين من اجل العودة اليها. واذا قام بقراءة “اسرائيل اليوم” بتمعن، فسيتوصل الى استنتاج بأننا حاربنا من اجل تحقيق عملية الانبعاث التي ستكون اسرائيل في نهايتها مسيطرة على كل ارض اسرائيل.
هذا الشاب سيكبر وسيصبح رجلا وسيُحدث أولاده، وهم بدورهم سيُحدثون أولادهم، هكذا من جيل الى جيل، بأن اسرائيل خرجت الى الحرب وانتصرت بفضل الاهداف الواضحة وتدخل الخالق.
هذه الاكاذيب التي يرددها الكثير من الاشخاص تعتبر تشويه للتاريخ، وهي ببساطة مخالفة للحقيقة. لماذا أقول ذلك بثقة؟ لأنني كنت موجودا هناك. اغلاق مضائق تيران وتهديدات عبد الناصر اللفظية أثارت الكثير من القلق في اسرائيل. ويبدو لي أنه للمرة الاولى، منذ فرض الحصار على القدس حين كنت طفلا، فطرت بمصطلح “الخطر الوجودي”. لقد أدار لنا العالم كتفا باردة، وعاد آبا ايبان خالي اليدين من واشنطن وباريس.
لقد كنت عضوا شابا في سكرتارية مباي، وكنت حاضرا في الجلسة التي تم فيها تقديم توصية بتعيين موشيه ديان وزيرا للدفاع بدلا من ليفي اشكول، رئيس الحزب. وقد ساد شعور متكدر لدى الحضور. ففي ظروف اخرى لم يكن حاييم تصادوك سيطلب تعيين ديان وزيرا للدفاع. في هذه الاثناء يسهل القول بأنه كان يجب على الحزب منح الثقة لاشكول، لكن شعور الشعب كان القلق الوجودي، وكان ديان بمثابة الدعم المعنوي والطريقة لرفع المعنويات.
لم يحلم أي أحد في تلك الجلسة أو في وسائل الاعلام الاسرائيلية أو في الحاخامية الرئيسة وفي المعارضة بحرب تحقق الهدف الاستراتيجي وهو “العودة الى أرض الآباء”. لقد كان هدف الحرب هو ازالة التهديد في الشمال والجنوب. وكان هناك استعداد للتضحية بأي شيء من اجل الحرب التي بدا أنه لا يمكن تجنبها، والتي فاجأت اسرائيل بشكل كبير.
لولا خطأ الملك حسين، وتصديقه للاكاذيب التي قامت مصر ببثها حول انجازاتها في ميدان المعركة، حيث بدأ بنشر القوات في الضفة الغربية والقصف في القدس – لما كانت هناك مناطق “محررة”، ولما كانت هناك مواعظ وتفسيرات كاذبة وغطاء اصطناعي مقدس للحرب الدفاعية. على هذه الكذبة يتم بناء نظريات تعليمية كاذبة.
في حينه لم يخرج أحد للحرب من اجل بناء بيت ايل أو تقوع. فقد كانت تلك حرب عادلة تم تشويهها. الشاب يقوم بقراءة الصحف ويصدق أن حرب الايام الستة كانت حرب الخلاص وجزء من عملية الانبعاث.
الكثيرون سيسألون بالطبع، ما أهمية استمرار الجدل حول الحليب الذي سكب قبل خمسين سنة؟ وحسب رأيي، الاشخاص الذين عاشوا في تلك الفترة يجب أن يبينوا الحقيقة للجمهور. حرب الايام الستة تمت ادارتها من قبل قيادة سياسية وعسكرية تتكون من اشخاص علمانيين خرجوا الى حرب عادلة، والآن تتم اعادة صياغة تاريخها.
الجدل هو أمر هام، لأنه يمكن التفاوض وتقديم التنازلات في الحرب العادية، إلا أن هذا غير ممكن عندما تكون الحرب مقدسة.
هآرتس