لم بات إخضاع قطر أولوية ؟
غالب قنديل
خلافا لظاهر الأمور تمثل الحملة السعودية على قطر تعبيرا عن انكفاء سعودي إلى دائرة النفوذ الإقليمي الأضيق بعد انهزامها في خطة تكريس النفوذ الأوسع وقد علقت بعد سنوات من التورط في سلسلة حروب فاشلة تراوح عالقة عند حلقات الاستنزاف الصعب والمكلف كما هي الحال في العدوان على سورية والحرب على اليمن.
إن الخط البياني لجميع المغامرات الأميركية التي خاضتها المملكة بالشراكة مع حكومات قطر والأردن وتركيا والكيان الصهيوني وغيرها هو خط هابط ومتراجع لا تغير فيه بعض العمليات الاستخباراتية الإرهابية كالعدوان الآثم الذي نفذ في إيران وعليه توقيع سعودي نافر.
محاولات تحميل قطر تبعات التقهقر الاستراتيجي تعكس محاولة أميركية لحماية الحصن الرجعي الأميركي الأهم المتمثل بالمملكة السعودية على حساب بقية المتورطين وإعادة رسم الأحجام داخل منظومة الهيمنة بما يحصن مكانة الكيان الصهيوني كمرجعية وعلى أساس استهداف إيران كأولوية وإطلاق حملة الاستنزاف ضد إيران هو هذه المرة تعبير عن هزيمة وتراجع وعجز وليس تجسيدا لقدرات هجومية كما يخيل للبعض.
لاشك ان لتوقيت انطلاق حملة تطويع قطر خلفيات وأسبابا كثيرة أهمها وأبرزها حرارة العلاقة السعودية الأميركية المشتراة بثروة طائلة شحن ترامب بعضا منها في طائرته عائدا من الرياض لكن حصر الأمور بهذا العامل فيه سذاجة وسطحية وكذلك فإن تسعير الحملة لاستدراج أموال قطرية مقابلة بتعليق المزاد بين الرياض والدوحة في طلب الرضا الأميركي هو احد الأبعاد في هذه الأزمة ولا يختصرها.
إن الإطار الاستراتيجي العام لما يجري من تفاعلات ويتفجر من تعارضات هو الفشل الذي تراوح فيه حروب الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة وما بلغته من نتائج شبه متبلورة على شفا الهزيمة الشاملة للحلف الذي كان الثنائي السعودي القطري في مقدمته وفي خدمته ماليا وعسكريا ومخابراتيا وأساسا بواسطة فصائل القاعدة متعددة الجنسيات.
لقد جعلت المملكة السعودية من توسيع رقعة نفوذها الإقليمي ومضاعفة حجمها ودورها في المنطقة هدفا رئيسيا للحرب على سورية ولغزو ليبيا وتدمير العراق واستهداف حزب الله واستنزاف إيران واعتراض صعودها السريع كقوة كبرى.
إن النظرة السعودية الفعلية لجميع فصول الغزوة الاستعمارية في المنطقة قامت على اعتبارها وسيلة لتأكيد زعامة السعودية ودورها في خدمة الهيمنة الأميركية والغربية على المنطقة بعد إخضاع الحكومات والحركات العاصية التي قاومت المسعى السعودي لفرض الهيمنة الأميركية الصهيونية على المنطقة منذ مايزيد على خمسين عاما أعقبت هزيمة حزيران 1967 وانكفاء المد القومي التقدمي في البلاد العربية الذي مثله صعود زعامة جمال عبد الناصر.
تأديب قطر يقود إلى إخضاع مجلس التعاون الخليجي الذي اظهرت بعض دوله كإمارة الكويت وسلطنة عمان ميلا للاستقلال النسبي عن التوجهات السعودية كما برهنت الحرب على سورية والحملة ضد إيران وهو في الوقت عينه طريق آمن لاحتواء الشكوى المصرية الملحة من الصمت السعودي على دعم قطر وتركيا للحملات السياسية والتخريبية التي يقودها الأخوان المسلمون وكذلك هو سبيل غير مكلف لإخضاع الإمارات التي سبق ان حافظت على علاقات اقتصادية وسياسية مع إيران حصدت منها الكثير من النفوذ والمكاسب السياسية والاقتصادية وهي تشارك اليوم بحرارة في الحملة على قطر التي لايخفي بعض قادة الإمارات إعجابهم بها وبفاعلية حركتها الإعلامية والسياسية.
الهزائم وتقلص النفوذ فرضا تراجع الطموح السعودي من النطاق العربي الأوسع إلى المدى الخليجي المباشر ولذلك باتت قطرهي الأولوية لأنها الدولة الخليجية المنافسة والأغنى وصاحبة الحظوة السياسية والعسكرية لدى الولايات المتحدة كما بفعل علاقات الدوحة المتينة مع تركيا المنافس الإقليمي الإسلامي للسعودية وتركيا هي شريكة قطر الكبرى في رعاية التنظيم الدولي للأخوان المسلمين الأداة السياسية المحتملة للتأثير في الداخل السعودي وحيث تتردد كثيرا هواجس الانقلابات في ظل صراعات امراء الجيل الثاني على وراثة العرش ويقينا إن التطلع السعودي الأهم من وراء السخاء مع دونالد ترامب كان تكريس المباركة الأميركية لخلافة ولي ولي العهد لأبيه الملك سلمان بن عبد العزيز.