مقالات مختارة

«التحييد» لم يحمِ دروز إدلب: «النصرة» تنبش قبورهم و«تهديهم» إلى الإسلام! فراس الشوفي

 

أجبرت «جبهة النصرة» أبناء قرى جبل السّماق في ريف إدلب ذات الغالبية الدرزية، على هدم مقامات مشايخهم ومراكزهم الدينية لصالح مراكز لتعليم الشريعة والقرآن. ممارسات الجماعات التكفيرية ليست غريبة، لكنها تنقض دعوات تحييد الدروز عن الحرب السورية

أجبرت «جبهة النصرة» في ريف إدلب (شمال سوريا) أهالي قرى جبل السّماق ذات الغالبية الدرزية على هدم مقاماتهم الدينية، في خطوة مماثلة لما تقوم به الجماعات الإرهابية مع مقامات المسلمين والمسيحيين وقبور الصحابة والأولياء في سوريا والعراق، وما قام به الوهابيون في الجزيرة العربية بداية القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20.

فالمعلومات الآتية من قرى جبل السّماق (وتضجّ اليوم في كلّ بيتٍ من قرى الدروز السورية واللبنانية والفلسطينية)، تؤكّد أن «النصرة» منحت الدروز مهلةً حتى 1 شباط 2015 لهدم قبور أوليائهم ورجال دينهم. وتشير وثيقة صدرت يوم الأربعاء الماضي إلى أن اتفاقاً وقّع بين ممثّل «النصرة» في جبل السّماق «الشيخ أبو عبد الرحمن التونسي» وممثلي 14 قرية يسكنها حوالى 18 ألف درزي، بعدما «تبرّأ أهالي قرى كفرمارس، تلتيتا، حلّة، ككو، بشندلايا، قلب لوزة، بنابل، جدعين، عبريتا، كفتين، معرة الإخوان، بيرة كفتين وكفركيلا من الديانة الدرزية، وقالوا إنهم مسلمون من أهل السنة والجماعة»، بحسب الوثيقة. وذكرت الوثيقة أن الاتفاق يقضي بما يأتي: «تطبيق شرع الله في القرى السابقة الذكر عبر نبش المقامات الشركية وهدم أبنيتها وتسويتها بالأرض، وتأمين أماكن للصلاة في القرى التي لا يوجد فيها مصليات، وتدريس القرآن والعقيدة للشباب والأطفال، وفرض اللباس الشرعي للنساء خارج منازلهن، ومنع ظاهرة الاختلاط في المدارس». وأشار الاتفاق إلى «اختيار شخصين من كل قرية لتنظيم الأمور الخدمية والإغاثية ومراقبة المخالفات بإشراف مسؤول من جبهة النصرة». وحذّرت الوثيقة في ختامها «أن كل فرد مقيم في منطقة الجبل والقرى المذكورة يخالف هذه الأمور يعرّض نفسه للمخالفة الشرعية والتعزير».

وقد سبق لتنظيم «داعش» أن أخضع قرى جبل السماق لإجراءات مماثلة العام الماضي، وعيّن الداعية السعودي سعيد الغامدي «شرعياً» على الدروز «لتعليمهم الإسلام وفرض الشريعة»، من دون أن يصل الأمر إلى حدّ نبش القبور، قبل أن يفقد «داعش» سيطرته على المنطقة لصالح «النصرة».

وفي ظلّ شح المعلومات بسبب صعوبة التواصل، علمت «الأخبار» أن أهالي القرى عمدوا في اليومين الماضيين إلى إزالة شواهد قبور الأولياء، ومنها مقام الشيخ جابر الحلبي في معرة الإخوان، و«الداعي مسلمة» في بيرة كفتين، ومقام الشيخ أبو طاهر عزالدين ومشايخ آل عز الدين في كفتين. لكن مسلحي «النصرة» لم يكتفوا بنزع الشواهد، إذ دخل أول من أمس عدد من المسلحين الملثمين إلى مقام الحلبي ونبشوا القبر، وأخذوا رفات الشيخ إلى مكان مجهول. وأعلم الملثمون الأهالي بأن المقام تحوّل إلى معهد لتعليم القرآن.

الوقائع الآتية من إدلب تثير غضباً شديداً في قرى لبنان وسوريا وفلسطين وخوفاً على مصير «الإخوان» والأقارب، في ظلّ ارتباك واضح داخل المؤسسة الدينية في سوريا ولبنان. شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا يوسف جربوع أشار لـ«الأخبار» إلى أن «المقامات لها مرجعية دينية للطائفة ولا نقبل المساس بها، وإذا كان أهالي قرى جبل السّماق يمارسون طقوساً دينية أخرى فهذا شأنهم، لكننا نعتبر التعدي على المقامات تعدياً على طائفة الموحّدين الدروز، فنحن مسلمون ولا نريد شهادة من أحد». بدوره، يقول كبير مشايخ جبل الشيخ الشيخ أبو نبيه كبّول لـ«الأخبار»: «نستنكر استنكاراً شديداً هذا العمل الإجرامي ولا نقبله، وإن شاء الله هذه بداية النهاية لكلّ من يعتدي». أمّا في لبنان، فيقول الشيخ أبو سليمان حسيب الصايغ لـ«الأخبار»: «نحن مسلمون منذ بداية الإسلام، ولسنا بحاجة لهؤلاء التكفيريين لتعليمنا أصول الدين، ومررنا بأزمات عبر تاريخنا وانتصرنا عليها بقدرة الله، ولا نعجب لقيام هؤلاء بهذا العمل، فهم لم يوفّروا قبور الصحابة والأنبياء، والحقّ سينتصر». كذلك أكّد كبير مشايخ خلوات البياضة في حاصبيا غالب قيس أن «هذا بعيد عن الدين وعن الأخلاق والإنسانية، والله سيحاسب كل من يعتدي على مقامات الأولياء والصالحين وعلى كل إنسان بريء».

سقوط دعوات الحياد

تملّق النائب وليد جنبلاط «النصرة» لم يُجدِ نفعاً في تحييد طائفة الموحّدين، على الرغم من التعهدات التي عمّم أنه حصل عليها سابقاً من تركيا بعدم المساس بدروز إدلب.

لكنّ أحداث جبل السّماق تفتح الباب واسعاً أمام نقض دعوات تحييد الدروز عن الحرب، بحجّة أن «جبهة النصرة» تستهدف فقط مواقع الجيش السوري في درعا والقنيطرة، وستبقى بعيدةً عن قرى الدروز في جبل الشيخ والسويداء. فدروز إدلب وقفوا على الحياد منذ بداية الأزمة السورية، لا بل انحاز بعض الأهالي إلى جانب «الثوار» واحتضنوا أسر المسلّحين وسمحوا لهم بالتنقّل في قراهم، أولاً بفعل ظروف الواقع الميداني وسيطرة المعارضة المسلحة السريعة على ريف إدلب، وثانياً بفعل نصائح جنبلاط بالتعاون مع الإرهابيين التي تشبه تلك التي قدمها إلى أهالي جبل الشيخ في السابق، والتي تجاهلوها. فالجماعات التكفيرية «لا تلبث أن تتوسّع بعد أن تتمكّن من السيطرة على بقعة معيّنة، وهي في حال تمكّنت من السيطرة على محافظة درعا والأجزاء الباقية من محافظة القنيطرة، لا شكّ ستكون السويداء وقرى جبل الشيخ الهدف التالي»، بحسب مصادر عسكرية ميدانية في السويداء. وفي اعتقاد جنبلاط، على ما يردّد الوزير وائل أبو فاعور وأكثر من مسؤول اشتراكي، أن «النصرة ستسيطر خلال العام الحالي على كامل المنطقة الجنوبية لسوريا، وبالتالي على الحدود الشرقية الجنوبية للبنان»، وبالتالي يجب مهادنتها بدل التحضير لقتالها، على اعتبار أن «الجيران» هم «النصرة»، غافلاً عن حالة الرفض الشعبي التي تعيشها قرى حوران ودرعا نفسها ضدّ إرهابيي «النصرة» وممارساتهم، والتنسيق الميداني الاستخباري للتنظيم مع إسرائيل، وصمود أهالي جبل الشيخ والمتغيّرات الجديدة لجبهة الجولان. وما جرى في إدلب لم يدفع الجنبلاطيين إلى تعديل خطابهم. فحتى يوم أمس، كانوا لا يزالون يحمّلون «النظام السوري مسؤولية سيطرة الإرهاب على سوريا» على ما تقول مصادر جنبلاط.

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى