مقالات مختارة

فلسطين.. التسوية – التصفية التاريخية محمد نور الدين

 

زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأراضي الفلسطينية المحتلة. التقى برئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، وارتدى القلنسوة اليهودية ووقف أمام حائط المبكى في سابقة للرؤساء الأمريكيين كما ورد في وسائل الإعلام .

ومن هناك ذهب ترامب ليلتقي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيت لحم. وفي المحصلة لكلتا الزيارتين أن لا جديد يُؤمل حول القضية الفلسطينية.

لم يتم التطرق إلى مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. قد يعتبر البعض ذلك تراجعاً عن مواقف سابقة لترامب أثناء الحملة الانتخابية تعهد فيها بنقل السفارة من «تل أبيب». لكن الأمور لا تقاس بهذه الخطوة التي لا تغير من جوهر المشروع الصهيوني في تهويد كل أراضي فلسطين من البحر إلى النهر.

لم يحدث أي تطور بشأن الاستيطان في الضفة الغربية. لم يدع ترامب إلى وقف الاستيطان ولا إلى إزالته رغم مخالفته لكل القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن.

الاستيطان هو جوهر المشروع الصهيوني. والزراعة أساسه للثبات في الأرض. تراهن «إسرائيل» دائماً على الوقت عاملاً لكي ينسى العرب والفلسطينيون والمسلمون فتنقضم الأرض يوماً بعد يوم. ومن لا وجود لأي مستوطن في الضفة الغربية عام 1967 إلى أن بلغ عددهم اليوم 800 ألف مستوطن وقريباً سيبلغون المليون.

كان اليهود في فلسطين في مطلع القرن العشرين أقلية وأقل من ربع السكان بعدما كانوا لا شيء في منتصف القرن التاسع عشر. كانوا حينها كما هم اليوم في الضفة الغربية. وغدا يتكاثرون في الضفة ويصبحون الأكثرية فيها كما أصبحوا الأكثرية في أراضي العام 1948.

المشروع الاستيطاني الصهيوني هو الأصل. لذلك هم يحتفظون بهضبة الجولان المحتل ويعتبرونها جزءاً من دولة الكيان. أما انسحابهم من غزة فلم يكن سوى تدارك خسائر أكبر مع تحويل القطاع إلى سجن كبير في الهواء الطلق.

لا نعرف ما الذي قاله الفلسطينيون لترامب ولا ماذا قال هو لهم. ما نعرفه أن ترامب دعا إلى تسوية تاريخية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» وأن الرئيس عباس دعا إلى صفقة تاريخية مماثلة.

لا يفصح أحد عن مضمون «تاريخية» هذه التسوية أو الصفقة. كأن فلسطين أرض مساومة أو قطعة جبنة تقتسم وفقاً للأهواء.

ما نعرفه أن فلسطين قضية فلسطينية وعربية وإسلامية في الوقت نفسه. وما نعرفه أن فلسطين تضيع تدريجياً لأن الجميع تخلى عنها.

الفلسطينيون يعانون انقساماً حاداً إيديولوجياً وسياسياً وجغرافياً. «حماس» في القطاع و«فتح» في الضفة الغربية. وليس من مشترك بينهما. كلّ يعتبر الآخر تقسيمياً. والحكومة حكومتان والبرلمان غير موجود عملياً.

الخيار المسلح من بين خيارات سلطة غزة. فيما الخيار السلمي هو الخيار الوحيد لسلطة رام الله. وفي المحصلة أنه ليس هناك من شعب في العالم تحت الاحتلال وهو في هذه الحالة غير المقبولة من الانقسام. ولو أن فلسطين ال 67 محررة لقلنا لهم اختلفوا مهما أردتم لكن أن تكونوا تحت الاحتلال وتتقاتلون فهذا لا يوجد في شرع الله ولا الوطن. وعلى الفلسطينيين أن يكونوا مع أنفسهم أولاً حتى يمكن للبعد الثاني أن يكون مكملاً ومؤثراً.

فلسطين قضية عربية. ومع ذلك فإن العرب لم يبذلوا أي جهد فاعل وضاغط على «إسرائيل» ولا على الدول التي تدعمها وفي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. الخلافات العربية بلغت حداً غير مسبوق ذلك. أحفاد البسوس وداحس والغبراء لم يخيبوا ظنّ أجدادهم. كلهم في تقاتل من ليبيا إلى اليمن ومن سوريا إلى العراق وتونس والصومال، فيما فلسطين هي المنسية الكبرى.

وفلسطين قضية إسلامية. منظمة التعاون الإسلامي قامت بعد حريق الأقصى. وكان اسمها منظمة المؤتمر الإسلامي وحين تفشى الانقسام والتقاتل تغير اسمها لتكون منظمة «التعاون»!. والتساؤل قائم والسؤال الكبير: ما الذي فعلته هذه المنظمة على امتداد تاريخها لمنع تهويد ما تبقى من فلسطين حتى لا نقول لتحرير فلسطين كلها؟ وهل من يتجرأ ويقول لنا ماذا فعلت؟.

فلسطين تضيع أمام أعين الجميع من النهر إلى البحر. ولا غرو أن يدعو ترامب إلى تسوية – تصفية تاريخية تجعل فلسطين قضية من التاريخ. تنتظر فلسطين معجزة إلهية لتُستنقذ من مصير لئيم يشارك الكل في صناعته.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى