حذار الفخ مجددا
غالب قنديل
باتت جميع المؤشرات السياسية والميدانية تدل على تعثر الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية التي تركزت في العدوان على سورية منذ سبع سنوات وقد شكل تقهقر عصابات التوحش الإرهابية في الميدان التعبير الأبرز الذي يوازيه ارتباك كبير وتضعضع في صفوف حلف العدوان تعبر عه تعارضات وتمايزات وتباينات بل تناقضات كثيرة خلافا لما كان عليه ذلك الحلف من التماسك والتناغم في مراحل العدوان الأولى وهذه هي الحصيلة المنطقية والطبيعية لأي هزيمة بحيث يتبادل المتورطون الاتهامات وتحميل مسؤوليات الفشل والعجز عن كسر المعادلات القاهرة.
أولا تحرك جميع اطراف حلف العدوان في البداية متحدين تحت لواء القيادة الأميركية المباشرة بينما تظهر مواقفهم وتحركاتهم بصورة متزايدة ومنذ حوالي العامين سعيهم منفردين لمحاولة النجاة بجلودهم وتجنب التكاليف المعنوية والمادية الباهظة للهزيمة وهذا ما تعبر عنه سلوكيات الحكمين القطري والتركي اتجاه كل من روسيا وإيران ومواقف الرئيس الفرنسي الجديد مانويل ماكرون كما ظهرت بنتيجة لقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين.
بالعودة إلى الوراء قليلا لاستقراء الأحداث والوقائع نستطيع استرجاع أدوار هذا الثلاثي ( قطر وتركيا وفرنسا ) في التحضير والإعداد للعدوان على سورية بهدف إخضاعها وترويضها لصالح حلف الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وقد لعب هذا الثلاثي أخبث الأدوار منذ هزيمة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والرجعيات العربية امام محور المقاومة وحزب الله في حرب تموز 2006 متلبسا مواقف خادعة ومسايرة حيث ظهرت مبادرات تركية وقطرية وفرنسية قوبلت بترحيب كبير من دولتي المحور سورية وإيران ومن حزب الله وحلفائه في لبنان في ظروف شديدة الصعوبة والخطورة.
ثانيا في ربيع 2011 وبعد خمس سنوات من الابتهاج والاحتفال السياسي والإعلامي العملي بتلك المواقف وبما سمح لثلاثي الخديعة تحصيل مكاسب اقتصادية وسياسية وامنية كبيرة انكشفت المؤامرة الأميركية المدبرة التي ساهمت قطر وتركيا وفرنسا في أخطر فصولها بانطلاق الحرب على سورية بجميع أدواتها الإعلامية والأمنية والعسكرية وحيث توزعت الدول الثلاث مسؤوليات قيادة العدوان بالإمرة الأميركية وتركزت في كل من باريس والدوحة واسطنبول أخطر المنصات وغرف العمليات بعدما تصيدت الحكومات الثلاث آلاف العملاء والمرتزقة من المجتمع السوري واخترقت بعض دوائر الدولة الوطنية السورية وهياكلها لتنفيذ خطة إخضاع سورية واحتواء واختراق إيران وحزب الله لصالح منظومة الهيمنة الأميركية الصهيونية على المنطقة وبغوايات ووعود كاذبة تساقطت تباعا وكشفتها اطراف المحور في فترة متأخرة وهذه المرحلة أطلقنا عليها في حينه تسمية العناق القاتل.
اليوم وكعادة الاستعمارالغربي عند هزيمة خططه واحلافه يترك هوامش للتراجع والالتفاف من البوابات الخلفية امام بعض الحلفاء والأدوات من باب التحوط لتبدل توازن القوى ويفترض بمحور المقاومة الالتفات دائما إلى درجة التبعية القطرية والتركية والفرنسية للمركز الأميركي المهيمن وعدم التسليم بفرضيات تمرد هذه الملحقات على المشيئة الاستعمارية الأميركية.
ثالثا لا يعني ما تقدم إدارة الظهر لفرص استثمار مأزق حلف العدوان وهزيمته بل إننا ندعو لتشديد الشروط والالتزامات الواضحة في التعامل مع أي جهة متورطة تزعم رغبة في التنصل والنفاذ بجلدها عبر إلزامها بدفاتر شروط من ثلاثة أقسام على الأقل :
– التراجع السياسي المعلن عن مواقفها السابقة والاعتذار الصريح إلى الشعب العربي السوري والدولة الوطنية السورية وكل من الشعبين الإيراني واللبناني وقيادتي إيران وحزب الله.
– الالتزام بتعويض ما تسببت به الحرب العدوانية من الخسائر والأضرار ماديا ومعنويا ووضع جداول زمنية لتفكيك منصات العدوان السياسية والإعلامية والعسكرية والمخابراتية التي احدثتها الدول المعنية واعتماد لائحة سلوكيات جديدة معلنة.
– مباشرة دعم جهود الدولة الوطنية السورية وحلفائها الكبار من روسيا والصين ومحور المقاومة للتخلص من اوكار الإرهاب التكفيري ولإعادة البناء الوطني.
رابعا ثمة عوامل ومصالح سياسية واقتصادية كثيرة تعطي فرصا جدية لإخضاع الجهات الدولية والإقليمية لتلك الشروط وقطع الطريق على تنفيذ خطة اميركية جديدة للخداع والمناورة ريثما يتسنى الانقضاض من جديد على محور المقاومة ومركزه السوري.
لسنا من دعاة الاحتكام المطلق إلى الهواجس والشكوك في مؤامرات استعمارية خلف كل شاردة وواردة لكن الاعتبار من دروس التجارب المكلفة يفترض الانتباه وعدم الاستسلام للانفعالات العاطفية وإهمال المؤشرات والوقائع التي تثير التساؤل.
صمود سورية شعبا ودولة وجيشا ورئيسا هو الذي بدل توازن القوى الدولي والإقليمي والإدارة الذكية لحركة الصراع التي تقودها روسيا وإيران والمقاومة انطلاقا من سورية وبالشراكة معها هي العوامل التي ولدت ذلك الاهتزاز والتصدع في حلف العدوان ووفرت فرصا ينبغي عدم إهمالها دون الوقوع في أفخاخ جديدة يدبرها المخططون الأميركيون والصهاينة.