بقلم غالب قنديل

سورية والعراق والتواصل القومي

غالب قنديل

ليس مفاجئا ذلك الذعر الأميركي الصهيوني الرجعي من مخاطر التواصل الجغرافي والسياسي والعسكري بين سورية والعراق فالعلاقة بين البلدين الشقيقين كانت تحت عيون الدوائر الاستعمارية الصهيونية الرجعية التي كرست الكثير من جهودها طيلة القرن العشرين لمنع أي اتحاد او مجرد اتصال بين الدولتين اللتين قامتا في سورية والعراق بعد الانتداب الاستعماري البريطاني والفرنسي.

أدرك الكيان الصهيوني قبل الجميع ما تمثله العروبة كهوية قومية في وجدان العراقيين والسوريين وعرف ان أي روابط اتحادية أو حتى تنسيقية بين البلدين سوف تمثل لبنة اولى في كتلة إقليمية ستكرس نصيبا رئيسيا من جهودها وإمكانياتها المشتركة لنصرة فلسطين ولصد الخطر الصهيوني وهكذا اندفعت دوائر التخطيط البريطانية الصهيونية باستمرار ومنذ سايكس بيكو إلى قطع طرق التواصل السياسي والميداني بين البلدين الشقيقين وأوغل بعض القادة المرتبطين بالغرب وبمنظومة الرجعية العربية في اصطناع العداوة بين البلدين وزرع الضغائن والأحقاد عكس سير المصالح الحيوية السورية والعراقية.

إن غاية تمزيق المجتمعين السوري والعراقي بواسطة عصابات التكفير الإرهابية كانت منذ البداية نافرة وواضحة لكن غاية تمزيق البلدين ومنعهما من التواصل لا تقل وضوحا وارتسمت خطوطها في جغرافية انتشار داعش التي يحركها التخطيط الأميركي ويديرها إيعاز غرف العمليات الأطلسية التي أرادت من هذا المولود الشيطاني ان يقيم شريطا عازلا بين سورية والعراق يمنع توحيد جهود الدولتين والجيشين في مقاتلة جيوش الإرهابيين والمرتزقة التي حشدت إلى العراق وسورية منذ غزو بلاد الرافدين واحتلالها.

الحركة العسكرية السورية العراقية المتقابلة على جانبي الحدود تستهدف قلب الخطة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وكبدها وهي تلبي المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية المشتركة للبلدين المحكومين بالتواصل والتكتل والتعاون في حرب وجودية ضد الإرهاب التكفيري ولملاقاة العالم المتغير بحيث سيقيم التواصل الجغرافي بين البلدين شريانا تتدفق فيه دماء عراقية وسورية ولبنانية عزيزة منها سيولد شرق عربي جديد شريك لكتلة الشرق العظمى الروسية الصينية الإيرانية وثمة آفاق تاريخية لمكاسب اقتصادية وحضارية عظيمة تجنيها دول الشرق العربي الثلاث سورية والعراق ولبنان من إسقاط خطة تفتيت المنطقة التي انطلقت مع تأسيس داعش وإفلاتها في جسد المشرق العربي.

التضحيات الجليلة التي يقدمها الجيش العربي السوري والحشد الشعبي العراقي وحلفاؤهما في معركة فتح الحدود السورية العراقية تمثل رصيدا تاريخيا لقبر خطط التفتيت الأميركية الصهيونية وسيكون مردودها وفيرا على دول الشرق العربي وجميع البلدان المتأذية من الإرهاب التكفيري والمهددة بانتشاره وانتقاله إلى ساحات جديدة.

ما بعد إتمام المهمة سيكون غير ما قبلها لأنها ستفرض واقعا جديدا في الجغرافية السياسية للمنطقة وفي العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين دول المشرق العربي وثمة اهمية كبرى تحملها الأبعاد العسكرية للمعركة ضد التكفير والإرهاب وضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على مستوى ميزان القوى الإقليمي.

التنسيق والتناغم السوري العراقي في القتال على جانبي الحدود هو ثمرة تواصل وتفاهمات جرت منذ أشهر وظلت مكتومة وبلا ضجيج وتم التحضير لها وتوفير مستلزماتها بكل دقة واتقان نتيجة إدراك بغداد ودمشق لمدى اهمية الهدف المشترك المتفق عليه ومدى تأثيره على ميزان القوى الإقليمي والدولي فالمعارك الجارية في الميدان بكل بسالة هي بداية مسار للتكامل القومي عمدته الدماء الزكية وطال انتظاره من زمن بعيد لكنه جاء طبيعيا في صلب تداعيات وتحديات فرضت توحيد الجهود والقدرات السورية والعراقية واللبنانية وإن كان التعبير السياسي الرسمي عن هذه الحقيقة ما يزال متواضعا لأسباب كثيرة بعكس ما كان يجري سابقا فلعل في ذلك تصويب لمسار مقلوب كان يضج بالكلمات اكثر مما يحفل بالأفعال المثمرة والمجدية رغم الشعارات الطنانة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى