هل تجمّد تركيا عضويتها في الأطلسي؟
ناصر قنديل
– شكّل الإعلان الروسي عن اكتشاف مؤامرة بين قوات سورية الديمقراطية وداعش يقضي بتسليم داعش منطقة الرقة سلمياً مقابل تأمين خط انسحاب آمن إلى البادية السورية برعاية الطيران الأميركي، تعبيراً عن السقوط السياسي لكلّ من الجماعات الكردية المسلّحة وراعيتها واشنطن، التي أعلنت بالتزامن تزويدها بكميات سلاح جديدة ونوعية، ليصير السؤال الذي طرحه مجلس الأمن القومي التركي، ما دامت الرقة ستسلّم بلا قتال، فلماذا هذا السلاح؟
– يدور نقاش روسي تركي إيراني حول فرضية وجود قرار أميركي ضمني بإقامة كيان كردي قويّ وغير معلن بصيغة دستورية وقانونية، يوفر الغطاء لبقاء مديد للقوات الأميركية في سورية وعلى حدود العراق وتركيا، بالتزامن مع منع التواصل السوري العراقي عبر الحدود، وتعطيل جهود التسويات السياسية بنقل مرجعية المعارضة السياسية المشاركة بالمفاوضات من أنقرة إلى الرياض ورفع سقوفها لمنع التوصل لأي تسوية، فتبقى سورية بلا حل سياسي بمشروع معلّق لقيام الدولة القادرة والمعترف بها دولياً كدولة متعافية، وتقطع صلتها بالعمق الشرقي، خصوصاً إيران بسيطرة جماعات تابعة لواشنطن، ويصير للكيان الكردي الرمادي ما يمنح تغطية البقاء الأميركي، تحت شعار أنّ الحرب على الإرهاب لم تنته، فقد انسحب داعش إلى البادية والحرب ستستمرّ هناك.
– روسيا وإيران تقاربان المخاوف والحسابات من باب التمسك بمفهوم جدّي للحرب على داعش ومفهوم مشابه للحلّ السياسي وقيامة الدولة السورية. ويشكل التيقن من التلاعب الأميركي بالمفهومين باباً للتساؤل حول مكانة الجماعات الكردية المسلحة في هذه الحرب على الإرهاب وفي الحل السياسي. وهو الموضوع الرئيس لخلاف روسيا وإيران مع تركيا. وهو ما يبدو في طريقه للزوال بعد الإعلان الروسي عن مؤامرة الممرّات الآمنة التي اضطرت موسكو لقصفها بصواريخ الكاليبر العابرة للقارات.
– على خط موازٍ تبدو موسكو وطهران معنيتين بإغلاق البادية السورية أمام داعش وتدور معارك عسكرية تغطيها موسكو جوياً بقوة وتزجّ فيها إيران قدرات حليفة لها، لحسم ريف شرق حماة تجاه السلمية، وريف حمص تجاه السخنة، لتأمين إغلاق بري متماسك يقطع أي فرص نزوح عسكري لداعش من الرقة إلى البادية. كذلك تقوم موسكو وطهران بجدّية وحزم مشابهَيْن بتوفير مقومات حرب ضروس لبلوغ الحدود بين سورية والعراق في نقطة متقابلة لكل من الجيش السوري والحشد الشعبي، اللذين يتقدّم كل منهما ومقابله داعش. ففي مناطق البادية السورية يتقدم الجيش السوري قبالة الأنبار حيث داعش، بينما يتقدّم الحشد الشعبي غرب الموصل وقبالته على الجانب السوري قوات سورية الديمقراطية. والنقطة الوحيدة التي يجب أن يبلغها الطرفان ليلتقيا هي القائم من الجهة العراقية والبوكمال من الجهة السورية، بينما يسابقهما الأميركيون من نقطتي التنف والحسكة بالجماعات المسلحة المدعومة من واشنطن والتي نالت نصيبها من القصف الروسي أمس.
– على الجانب التركي تجري قراءة استراتيجية للحظة الحرجة، حيث تبدو أنقرة وقد وضعت بيضها في السلة الأميركية قد عوملت من قبل واشنطن وفقاً لمعادلة لاعبي البوكر إما كل شيء أو لا شيء. وهو ما سبق وطبّقته واشنطن على أمير قطر السابق قبل تنحيته، فإما تنتصر تركيا في سورية وتنصر أميركا معها وتقيم منها سلطنتها العثمانية وتضمّ مصر وتونس وليبيا وسواها، وإما تخسر كل شيء ويكون كيان كردي غامض على حدودها هو البديل لإدامة الحضور الأميركي في سورية، وتدور حرب خفية لطرد تركيا من المنطقة كلّها، يفسّر هذا ما يجري مع قطر وفي ليبيا وغزة.
– يستاءلون في أنقرة اليوم عن وجود خطة أميركية لعزل تركيا تنفذ بالتتابع، ويشترك في حلقاتها كل من السعودية ضد قطر ومصر في ليبيا و»إسرائيل» في غزة، ويشكّل المسلحون الأكراد في سورية رأس الحربة فيها، ويتساءلون ألم يصبح الوجود في حلف الأطلسي عبئاً على تركيا، وقد آن الأوان لقلب الطاولة وخوض غمار التشارك مع روسيا وإيران في مظلة أستانة، تحت عنوان الحرب على الإرهاب والحل السياسي، ولكن بشرط وحدة التراب السوري تحت مظلة الدولة السورية الحالية ورئيسها، وتأجيل ملفات الخلاف الداخلي السوري لما بعد إبعاد شبح التهديد الذي يعتبره الأتراك خطراً على أمنهم القومي يستحق المجازفة، وربما تجميد العضوية التركية في الأطلسي.