بقلم ناصر قنديل

عقلانية ماكرون والحدود السورية العراقية

ناصر قنديل

فيما حضرت روسيا بقوة برئيسها فلاديمير بوتين ووزير خارجيتها سيرغي لافروف في محطتين هامتين خارج دائرة أولوية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعابرة فوق علاقتها المميزة مع تركيا وحرصها على استيعابها بدور وازن ضمن منظومة إقليمية تقودها موسكو وتمثل أنقرة وطهران جناحيها، توّجت موسكو مع باريس تفاهماً يتيح ضمّها لجهود بناء نظام إقليمي جديد برعاية روسية، وفعلت الشيء نفسه مع القاهرة. ففي غياب أميركي عن حرب ليبيا بين حكومة فايز السراج المدعوم من تركيا وحلف الأطلسي وقائد الجيش خليفة حفتر المدعوم من مصر والسعودية، وضعت موسكو ثقلها لمساندة مصر. وفي تغيير لافت نحو العقلانية السياسية خرج الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون بعد لقائه الرئيس بوتين ليعلن دعم حلّ سياسي في سورية، لا يشترط السلبية تجاه الرئيس السوري بل يفتح مجالاً للتعاون معه إلى قاعدة المعادلة الروسية التي تقوم على ربط المرحلة الانتقالية بالحفاظ على الدولة ومؤسساتها، ما يعني اعتماد الانتقال الدستوري، بدءاً بحكومة في ظلّ الرئيس السوري وانتهاء بانتخابات وفقاً لدستور جديد يشارك فيها .

عندما يخرج وزير الخارجية المصري سامح شكري يتحدث عن تعاون استراتيجي في مجال الحرب على الإرهاب، يتضمّن دعماً لوجستياً وتقنياً وعملياتياً واستخبارياً عبر غرفة عمليات مشتركة مع روسيا، ويخرج الرئيس ماكرون من لقائه مع الرئيس بوتين يتحدّث عن لجنة تعاون استراتيجي بهدف وضع تصوّر شامل للحرب على الإرهاب وإقامة استقرار شامل في المنطقة، من دون أن يستبعد فتح السفارة الفرنسية في دمشق بقوله ليست ضمن الأولويات حالياً، بعدما كانت من المحرّمات سابقاً، فذلك يعني نجاح موسكو بضمّ قوتين وازنتين في سياسات الشرق الأوسط هما فرنسا ومصر إلى جانب تركيا وإيران، ولو من مواقع مختلفة وخلافية، لصناعة الحلول السياسية كخلفية ضرورية لخوض الحرب على الإرهاب.

بالمقدار الذي يعرف ماكرون أنّ الداخل الفرنسي يساند سياسة خارجية تقوم على الانفتاح على روسيا والحلّ في سورية بالتعاون مع الدولة السورية، وأنّ سلفه هولاند وضع رصيده الشعبي ثمناً لعناد معاكس، يعرف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكومته حيوية معركة ليبيا لأمن مصر، ويعرفان أنّ الأطلسي لن يساند مصر في حربها على حكومة السراج، بينما لا تتوقف روسيا عند علاقتها بتركيا الداعمة للسراج وتمدّ يدها كما في السابق لمصر للفوز بهذه الحرب، لكن فرنسا ومصر كانتا تراقبان بعناية آخر حروب الإدارة الأميركية قبل إحداث النقلة الحاسمة نحو روسيا. والحرب لها عنوان هو منع التواصل بين الجيش السوري والحشد الشعبي عبر الحدود السورية العراقية. وهذا التواصل يعني عملياً حسم وجهة الحرب ووجهة التوازنات الجديدة، وهو تواصل ما عاد ممكناً منعه بعد بلوغ الحشد الشعبي الحدود مع سورية، وتقدّم الجيش السوري بالسيطرة على عشرين ألف كلم مربع من البادية باتجاه الحدود، رغم الإنذارات الأميركية.

يتوجّه محمد بن سلمان إلى موسكو للقاء الرئيس بوتين، وأمامه هذه الصورة ومعها الحاجة لتعاون موسكو في ضبط سوق النفط وأسعاره، بعدما زادت النفقات السعودية وزاد العجز بمترتبات زيارة الرئيس الأميركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى