الدجالون والعدوان في الجولان
غالب قنديل
شكل العدوان الصهيوني في الجولان واحتمال الرد عليه مناسبة لإطلاق حملة واسعة في وسائل إعلام سعودية وقطرية يقودها رهط من مخلفات النفط العربي المجندين في الحرب العدوانية على سورية وقد ركز هؤلاء هجومهم على الدولة الوطنية السورية وكل من حزب الله وإيران ساخرين من احتمالات الرد التي تشكل مصدرا لقلق فعلي داخل الكيان الصهيوني يجاهر به القادة كما تفيض به وسائل الإعلام العبرية.
أولا خلال الثلاثين عاما الماضية جعل بعض الكتاب والصحافيين العرب من موضوع جبهة الجولان وما سموه صمت المدافع والتزام الدولة الوطنية السورية باتفاق فصل القوات إحدى مصادر الهجوم والتشكيك في التعامل مع دعم سورية للمقاومة في لبنان وفلسطين ومع التحالف السوري الإيراني الذي شكل الصراع ضد الكيان الصهيوني والهيمنة الاستعمارية على المنطقة لبه وجوهره منذ نهاية عقد الثمانينات في القرن الماضي بعد إسقاط نظام الشاه حليف إسرائيل وحامي أولياء نعمة الكتبة المأجورين وقد جرت على منوال هذا المنطق بعض الجماعات السورية المعارضة وهي تستعمل الخطاب ذاته كمحور مركزي في هجماتها على الدولة الوطنية السورية يصاحبها لفيف الكتبة المجندين في صحف الخليج من “مفكري ” ثورات “الربيع” الدموي الأخواني ومنظريها.
المفارقة ان المشككين في موقف الجمهورية العربية السورية من الصراع العربي الصهيوني هم انفسهم الذين روجوا لإنهاء الصراع عبر تسويات مستقاة من وصفات حكام قطر الذين لا تهتز علاقتهم بالكيان الصهيوني وكذلك وفقا لمشيئة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الراحل انور السادات وقد بدت حملتهم ضد المنطق فهم مع اتفاقية اوسلو ومع اتفاقية كمب ديفيد ووادي عربة ويعلكون الكلام عن واقعية وحكمة القادة العرب الذين وقعوا تلك الاتفاقيات بينما يأخذون على الدولة السورية التزامها باتفاق فصل القوات على الجبهة وعدم شنها لحرب تحرير تستعيد أرضها المحتلة منذ توقيع ذلك الاتفاق في اعقاب حرب تشرين التي ترك فيها الجيش العربي السوري يقاتل وحيدا لأكثر من سبعين يوما ثم يحدثوننا عن التلاعب بالعقول!
ثانيا إن توازن الردع الذي أقامته سورية في السابق ومنذ اتفاقية الفصل شكل السور الحامي لدعمها فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان وهذا ما كانت ثماره في الصراع ضد العدو الصهيوني واضحة وحاسمة فقد تم تحرير القسم الرئيسي من الأراضي اللبنانية المحتلة وأرغم الاحتلال على التقهقر تحت ضربات المقاومين في قطاع غزة وتمكنت سورية وإيران وحزب الله منذ حرب تموز 2006 من تحويل تحالفها الوثيق إلى منظومة قوة إقليمية داعمة للمقاومة ورادعة للعدوان الصهيوني .
القواعد الجديدة التي يعمل الحلف الاستعماري الصهيوني على فرضها منذ انطلاق العدوان على سورية انطلقت بمبادرة إسرائيل إلى انتهاك متدرج لاتفاق فصل القوات باعتداءات نفذها سلاحا الجو والمدفعية لدعم الجماعات المسلحة المناوئة للدولة السورية بما فيها أساسا فرع القاعدة في سورية “جبهة النصرة” وقد واكب ذلك نشاط استخباراتي صهيوني محموم لدعم تلك الفصائل وخدمتها لوجستيا وماليا وطبيا وأمنيا وفقا لما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية وغربية عديدة وصرح به مسؤولون صهاينة يتقدمهم رئيس الوزراء ووزير الحرب وفي هذه المرحلة من العدوان يتصاعد التدخل الصهيوني بالتزامن مع تآكل الثقل السعودي والقطري داخل حلف العدوان الذي يتمركز إقليميا على المحور التركي الإسرائيلي .
طبعا لايعطي المرتزقة من الكتاب و”المفكرين” أي اهتمام لكل ما تقدم فالمهم هو الطعن مجددا بالقيادة السورية ونهجها المقاوم وبطبيعة أهداف قيادة حزب الله وإيران وقد سبق لهم ان لعبوها بالمقلوب فقد ظل بعضهم ثلاثين عاما يكذبون عن مقايضة سورية للجنوب بالجولان وبشروا الناس بأن سورية سوف تسترد الجولان مقابل تكريس الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني ولما كذبتهم الأحداث في العام 2000 اعتبروا ان سورية صنعت ذريعة مزارع شبعا لتحتفظ بمشروعية استمرار الاشتباك عبر لبنان مقابل صمت المدافع في الجولان .
ثالثا إن وجود حزب الله في سورية من ضمن خطة الدفاع الشامل عن محور المقاومة إلى جانب الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني وبالدعم الإيراني في الإمكانات القتالية والمشورة التخطيطية يشكل فرصة تستجيب لضرورات بلورة قواعد جديدة للصراع على الجبهة السورية من خلال انبثاق مقاومة سورية شعبية ضد الاحتلال الصهيوني على الأراضي السورية وهذا هو الرد الاستراتيجي على إسقاط إسرائيل لاتفاق العام 1974 الخاص بفصل القوات وقد كان قرار الرئيس بشار الأسد في هذا لمجال تأسيسا للمرحلة الجديدة.
عندما التزمت سورية باتفاق الفصل أنشات معادلة الردع وأقامت لأكثر من ربع قرن منظومة دعم ومساندة نوعية لصالح فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية التي دمرت هيبة الردع الصهيونية وعندما أسقط العدو اتفاق الفصل في سياق الحرب العدوانية ضد سورية بات فتح الجبهة امام خيار المقاومة في الدفاع والتحرير هو الخيار الأمثل في حاصل الخبرات والتجارب .
طبعا ينكر المرتزقة وجود جماعات التكفير في الجنوب السوري ويكتمون علاقتها العضوية مع الكيان الصهيوني وهم مصممون على متابعة الخطب الكاذبة والمشعوذة عن ثوار سوريين غير آبهين بتلون جنسياتهم العابرة لثلاثة أرباع الكرة الأرضية ولا بطبيعة فصائلهم الارتزاقية والإلغائية وببرامجهم القاعدية الدموية … كل ذلك لا يهم المهم عند هؤلاء المرضى والملوثين في عقولهم هو التلاعب بعقول الناس من خلال التركيز على التواجد المباشر لضابط إيراني كبير ولمقاتلين من حزب الله على أرض الجولان .
إنها لعبة الديماغوجيا المعروفة بالتضخيم والمبالغة في التعامل مع أحد مظاهر الحدث لطمس الجوهر الحقيقي والجوهر هنا هو الصراع ضد الكيان الصهيوني وموقف سورية المشرف إلا بالنسبة لمن باعوا شرفهم الشخصي والوطن يوم تحولوا خدما أذلاء في آلة التضليل الكبرى التي تعمل في خدمة إسرائيل.