المعركة لم تكن في الرياض ولا في القدس … لقد كانت في طهران وانتهت
ناصر قنديل
– ظاهرياً بدا أن هناك معركتين شهدتهما المنطقة، بطلهما دونالد ترامب، واحدة في الرياض لإقناع زعماء الدول العربية والإسلامية بمقايضة قوامها التصالح والتعاون والتطبيع مع «إسرائيل»، مقابل جبهة دولية تقودها واشنطن بغطاء العالم الإسلامي المنعقد تحت لواء السعودية لعزل إيران وحصارها، والمعركة الثانية بدت في القدس يخوضها ترامب لإقناع قادة كيان الاحتلال بخوض غمار تسوية مختلفة وأكثر جدية بتسهيل قيام دولة فلسطينية مع بعض التعديلات التي تراعي الأمن «الإسرائيلي» وتعديلات مشابهة تناسبها على ملفي القدس واللاجئين .
– عمليا أنهى ترامب جولته الخليجية وقممها الثلاث بالحصول على ما طلب من المجتمعين وفوقه حصل على مال كثير يريده لتنشيط اقتصاده الراكد وتثبيت حكمه المرتبك، وتطبيق شعاره بربط العلاقة مع السعودية كبقرة حلوب بكمية الحليب التي تدرّها عليه. وعملياً ذهب ترامب إلى القدس فلم يحقق شيئاً من وعوده، وتقاسم مع نتنياهو كلاماً فارغاً ليس فيه إلا التطمينات لخضوع الخليج وقبوله الانضمام لحلف مع «إسرائيل» بوجه إيران، وبمثل ما أجّل نقل سفارته إلى القدس أجّل القمة الثلاثية التفاوضية التي تجمعه مع بنيامين نتنياهو ومحمود عباس فأصاب عباس في المقتل، بعدما سدّد لحركة حماس فاتورة مذلّة وهواناً على وثيقتها السياسية التي ترتضي التسوية الموعودة، بإعلانه لها إرهاباً من منبر الرياض.
– جولة ترامب التي تعبر بالفاتيكان وصولاً لقمة السبعة الذين تتزعمهم واشنطن وتتويجاً باجتماع حلف الناتو، كان مقدراً لها أن تخرج من هذه المنابر بما وعد ترامب كلاً من الملك السعودي ورئيس حكومة الاحتلال، من فرض الحصار والعزلة على إيران، والذهاب بعيداً في تعبئة مناخات العداء لحزب الله، لكن الذي جرى أن المعركة الفعلية التي كانت شرطاً لمواصلة ترامب المهمة كانت تجري في طهران، حيث لم تكن إيران قد وقّتت انتخاباتها على موعد زيارة ترامب، بل العكس هو الذي حصل، وكان كل ما جرى قبل الانتخابات والإعلان عن القمم التي شهدتها الرياض، والتعبئة ضد إيران وشيطنتها، والتلويح بإلغاء التفاهم حول الملف النووي وزيادة العقوبات عليها عشية الانتخابات، لدفعها دفعاً نحو إعادة خيار التشدد الذي يعتبره الأميركيون وحلفاؤهم شرطاً لنجاح التعبئة ضد إيران وللتسبّب بالانقسام الداخلي فيها حول خياراتها وثوابتها، واستيعاب الجناح المعتدل من سياسييها واستثمار الضغط الاقتصادي لزعزعة الاستقرار فيها، وبدا أن اللعبة تسير وفقاً لما يريد الأميركيون، فقد ظهر إلى الساحة الانتخابية رمز من أقوى رموز المتشددين هو السيد إبراهيم رئيسي، واحتشد خلفه وانسحب لصالحه كل المنتمين لخط التشدّد، وتهيأت وسائل الإعلام الغربية لاعتباره رئيس إيران القادم، وفقاً لمعادلة رئيسي مقابل ترامب.
– كان السؤال في طهران هو، عندما يعلن فوز رئيسي وقمم الرياض تصيغ بيانها الختامي ماذا سيكون المسار المتوقع، والجواب هو، امتلاك ذريعة التشكيك بصدقية التزام طهران بالتفاهمات النووية، وامتلاك المبرر لتوسيع نطاق حملة التصعيد السياسي والإعلامي والقانوني والدبلوماسي ضدها، ومخاطبة الداخل الإيراني بلغة تحمًل خطاب الثوابت لمجرد صدوره بلسان متشدّد مسؤولية الحصار والعقوبات والتراجع الاقتصادي، وتالياً قسمة الإيرانيين نصفين متخاصمين وربما متحاربين، وامتلاك الغرب جسوراً تراهن على استمالة بعض النصف المحبط من النتائج والطاعن بصدقيتها، وكان السؤال المعاكس في طهران ماذا لو فاز الرئيس حسن روحاني بخطاب الثوابت الإيرانية نفسها، بالدفاع عن خيار المقاومة وحزب الله وتوصيف الأميركيين كمسؤولين عن الإرهاب، وتحميل دول الخليج مسؤولية تخريب الاستقرار في المنطقة؟ وكان الجواب، ستتوحّد إيران خلفه، وسيقف الروس والصينيون مع إيران بقوة، وسيرتبك الأوروبيون في تلبية الطلبات الأميركية.
– ليس مهماً مَن سأل ومَن أجاب في طهران، بقدر أهمية ان اللعبة الديمقراطية الإيرانية اتسعت لتظهير هذه النتيجة، وقد سمعنا الرئيس روحاني في خطاب الثوابت بعد فوزه، وسمعنا المواقف الأوروبية والدولية تتمنى عليه عدم الانجرار لحفلة التصعيد التي بدأتها ضد إيران قمم الرياض، واكتشف ترامب قبل انتهاء قمم الرياض أن المهمة قد انتهت وأن الخطة قد فشلت، وأن عليه المسارعة لحجز الأموال التي وعده السعوديون بها، وأن عليه الذهاب إلى القدس وبيت لحم في زيارة سياحية دينية وسياسية يتقاسم التهنئة مع نتنياهو بما حصدا من غنائم مالية وسياسية، فالمعركة ليست في الرياض ولا في القدس، فقد كانت في طهران وانتهت.