اعتداء القنيطرة: هل باتت الحرب الكبرى وشيكة؟ حميدي العبدالله
من الصعب على المحللين والمتابعين للصراع بين الكيان الصهيوني وحماته وداعميه، وبين منظومة المقاومة والممانعة، استبعاد احتمال أن يؤدّي الاعتداء الذي وقع في القنيطرة، واستهدافه للمرة الأولى كوادر من المقاومة وقيادي في الحرس الثوري، إلى تحوّل المواجهة من ضربات متبادلة، على غرار ما كان يحصل في السابق، إلى حرب شاملة، تمتدّ هذه المرة إلى الجبهة الشمالية بقسميها، السوري واللبناني، وفي عمقها وخلفيتها إيران.
هذا الاحتمال مستمدّ من المعطيات الآتية:
أولاً، الأرجح والمتوقّع، قياساً إلى التجارب السابقة، وقياساً إلى مستوى رهانات العدو على الاعتداء الجديد، وبعضها رهانات استراتيجية وليست تكتيكية، أنّ حزب الله سوف يردّ، وسيكون الردّ موجعاً أو على الأقلّ متناسباً مع حجم شهداء الاعتداء الصهيوني، وسواء كان الردّ في الجولان، أو في مكان آخر، فإنه قد يكون من الصعب على العدو «الإسرائيلي» ابتلاع ضربة قوية، والاكتفاء بردّ عبر ضربات هي أقرب إلى الضربات السياسية والإعلامية منها إلى الردّ العسكري، وينقل عن مسؤولين في الكيان الصهيوني تقديرهم بأنّ «ردّ حزب الله وقوته سيحدّد نوعية الردّ الإسرائيلي» أي أنه قد يكون من القوة ما يؤدّي إلى تدحرج الوضع إلى الحرب، وعدم الاكتفاء بتبادل الضربات.
ثانياً، السياق السياسي العام الذي وقع فيه الاعتداء، والذي يتميّز أولاً، بنشوب معركة حول الخطوط الحمر بين منظومة المقاومة والممانعة من جهة، وبين الكيان الصهيوني وحلفائه من جهة أخرى، وهي معركة استراتيجية ومصيرية لكلا الطرفين، ويتميّز ثانياً، بأنّ الكيان الصهيوني يخشى من توصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق حول ملفها النووي، لأنّ مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يرفع الضغوط الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية المفروضة على إيران، وسينعكس ذلك بتعاظم قدرات إيران العسكرية، ومكانتها الإقليمية والدولية، وكلّ ذلك سيؤثر على توازن القوى في الصراع العربي الصهيوني في غير مصلحة تل أبيب، وحاولت حكومة نتنياهو ممارسة الضغوط لتعطيل التوصل إلى اتفاق، لكنها فشلت، وأوشكت أن تتحوّل ضغوطها إلى مصدر أزمة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة، ولعلّ ثمة من يفكر في الكيان الصهيوني بأنّ الحرب على نطاق واسع وحدها القادرة على تعطيل توقيع الاتفاق، لأنّ أيّ حرب شاملة سيكون الكيان الصهيوني طرفاً فيها، وسوف يرغم الولايات المتحدة على الوقوف إلى جانبها ومحاربة الأطراف الأخرى، نظراً إلى الروابط المعروفة بين الكيان الصهيوني وبين الولايات المتحدة منذ نشوء الكيان على أرض فلسطين، إضافةً إلى قوة نفوذ الجماعات الموالية للكيان الصهيوني داخل الولايات المتحدة، الذي دائماً يضع مصلحة أمن الكيان في موضع أكثر أهمية وأولوية متقدمة على أولوية المصالح الأميركية.
هذه المعطيات تؤكد أنّ خيار الحرب الواسعة التي قد تغيّر وجه المنطقة هو احتمالٌ قائمٌ وبقوة، حتى وإنْ لم يكن حتمياً.
(البناء)